
مازلت أندهش من جرأة و”بجاحة” بعض المراهقات من صاحبات الوزرة البيضاء المقدسة، وأستغرب كيف يتلقين التحرش و”النگ” بكل روح رياضية وبلا أدنى نقطة خجل على الخدود، وربما دعيت الواحدة منهن للركوب من عابر سبيل لا علم لها بسلامته العقلية ولا بمن يكون، فابتسمت و ركبت وهي تختال فرحا، ثم وضعت مرفقها على طرف النافذة وهي تتطلع إلى الحياة بنظرة من نظرات ” بكيزة الدرملي” المتعالية ، مزهوة بعظيم إنجازها.
ومازلت أتذكر أول تحرش تعرضت له وأنا بسنهن فيغلبني الضحك،.. أضحك إلى أن تدمع عيناي وتحمر خداي، حامدة الله على كمية السذاجة التي كانت تسري في دمي ودماء فتيات الجيل الذهبي، وشدة “النية” التي كنا عليها، مستحضرة كل الرعب الذي عشته بعدما تبعني احد ممارسي رياضة: “بس بس..ما نشوفوكش”.
كنت قد جمعت كل أدواتي قبل جرس الساعة السادسة كما هي عادتي دائما، وذلك استعدادا لإطلاق ساقاي للريح قبل بدء الرسوم المتحركة، لا مبالية بالوضع الجديد وبأني أصبحت طالبة في الإعدادي، داعية الله ألا أجد بانتظاري حصة من الطرب الأندلسي أو جلسة من جلسات مجلس النواب، عوض الكرتون الذي كان عشقي و عشق كل الجماهير العريضة من التلاميذ والطلبة.
واعترف أن قبل الخروج، وبينما كنت أرتب دفاتري وأقلامي شعرت وكان جذور شعري تكاد تنقلع، بسبب الشعر المعقوص الذي تصر أمي على ربطه جيدا ب”لاستيك” متين وليه على شكل “شفنجة” عملاقة، مع تحذيري مرة أو مرتين من محاولة فتحه، وتنبيهي على ضرورة تركه كما هو إلى حصة التمشيط التالية، والتي تكون غالبا بعد 24 ساعة..
“اطوالت” علي.. حاولت التمتع برضا والدتي وترك تلك الكعكة العجيبة فوق رأسي، لكن لا شيء كان يساعد، جذور شعري تئن، صدغاي يؤلمانني، جفون عيني أصبحت آسيوية مشدودة لدرجة لا تحتمل، استغفرت الله من الوعد الذي كنت قطعته.. ثم فتحت الرباط.
شعرت براحة هائلة، رجعت ملامحي الإفريقية العزيزة لتفرض وجودها، وربما جرفني الحماس قليلا ففتحت الفطيرة تلك وعدلت عقدة الرباط لينسدل شعري على شكل “ذيل حصان”، داعية الله ألا يركلني هذا الحصان إذا عدت إلى البيت وضبطتني نبع الحنان وأنا متلبسة باحتضان شعري من فرط الاشتياق، لكثرة ما يجمع ويلوى بعيدا فوق ربوة راسي، مع لافتة كتب عليها ممنوع الاقتراب أو اللمس.
لم اعرف كيف بدا شكلي مع “ذيل الحصان” الذي يلامس أواخر ظهري ولا اهتممت بالأمر، لكن كانت هناك نظرات غريبة واهتمام عجيب ممن حولي، لم ألتفت لكل ذلك وأنا احتضن شعري الحبيب وأسدله على كتفي كما تمنيت دائما، كنت شاردة الذهن في محاولة لتذكر أحداث الحلقة الماضية من الكرتون، سارحة في ملكوت الله، وفجأة خرج لي صاحبنا الثقيل الظل.
كانت المرة الأولى التي سأجرب فيها طريقا مختصرا لطالما سلكه زملائي، تخيلت كم من الوقت سأقتصد، لكن لم أتصور أن يخرج لي ذلك الشخص من العدم ويتبعني بفحيحه “بس..بس” .
في البداية ظننت أن الأمر لا يعنيني فتابعت السير، ليس من المعقول أن يتبع رجل عاقل ب”سكسوكة” متعوب عليها طفلة مثقفة مثلي، لكن عندما اقترب وحانت مني نظرة إليه فذبل عينيه في دلال رن جرس الانذار بداخلي، وارتفعت ضربات قلبي حتى شعرت وكأنه سيخرج من فمي، سرت في جسدي ارتجافة مع زغللة في عيناي وأنا أتخيل كل سيناريوهات القتل والتقطيع والتوزيع، دون أن تدور بخلدي أدنى ذرة من الرومانسية التي يلهج بها صاحبنا “ويتي ويتي على الشعورات”، ” عوينات عندك”..
حافظت على مسافة أمان بيننا، حتى إذا لاح حينا واقتربت من منطقة سكني، أطلقت العنان ل”هشام الگروج” القابع في أعماق شخصيتي، وأنا أسمعه من بعيد يقول من بين ضحكاته “وا اجي غير نقول لك”، طبعا لم أكن على استعداد للعودة إليه وسؤاله عما كان سيقول لي، لكنني كلما نظرت خلفي وجدته منحنيا ليمسك ركبتاه من فرط الضحك، وقبل أن أطرق باب البيت انتبهت لشعري، فلويته ثم أعدته لوضع الكعكة حتى لا أسمع معلقة والدتي الشهيرة، التي تربط بين فتح “الشفنجة” وحب الطيران بلا جناحين.
تحياتي