
لست من متابعي البرنامج الكريم، لكن لقطات منه كانت تلاحقني أثناء انتظاري للنشرات الإخبارية، تتربص بي كلما فتحت شاشة التلفاز لتقفز على قفاي وتلتصق، وكلما اشتد نفوري من بشاعة اللقطات التي لا تلائم ضعاف القلوب، ازدادت نسبة المصادفات غير السعيدة، وازدادت رغبتي في الدراسة أكثر وأكثر.
البرنامج يجعلك تشتهي العودة إلى عذاب الاستيقاظ فجرا، قبل تبين الخيط الأبيض من الخيط الاسود، لتقف أمام بوابة المدرسة وأسنانك تصطك جراء البرد، بانتظار الطابور الصباحي، لتعدو مع الجماهير مع أول انفراجة للباب نحو قاعات الدراسة، لتشم رائحة الطباشير وعبق الكتب، لتعانق الطاولة وذراعيك على “القماطر” الذي لم “يقمطر” شيء طوال فترة التمدرس..
البرنامج رعب خالص، شاهدت كل أجزاء فيلم “Saw”، وكل أفلام الدكتور هانيبال ليكتر، وحتى خنفشاريات “wrong turn” التي لا فائدة منها، وسلسلة السفاح الاسترالي “Wolf creek”، لكن لم أكن أملك رصيدا كافيا من الجرأة والشجاعة للجلوس على أرض الواقع و مشاهدة “لالة العروسة”، تفزعني فكرة تعرض عرسان متزوجين حديثا للتنكيل والسحل أمام أمة لا اله الا الله..
في ثقافتنا، نشأنا وتربينا على أن الزواج رباط مقدس بين طرفين بالغين، و أن للعروسين هيبة ووقار وبريستيج، يتحركان برزانة ورصانة، يجلسان بهدوء وأبهة، يتحدثان بنضج ورقي، تحوطهما هالة وكأن أجنحة الملائكة تحفهما، لم تتقبل عقولنا وجيناتنا وتربيتنا ما يعرض أمامنا.
عرض البرنامج لسنوات ولم نستسغ بعد هرولة المشاركين بطولهم وعرضهم وبكامل قواهم العقلية بلا هدف وبكل اتجاه، قفزهم وتقافزهم على الحبل وخلف الكرات، جريهم وراء الإختبارات التي لا تختبر شيء، فغرهم لأفواههم ببلاهة أمام أسئلة طفولية بدائية، نقل لقطات وكلام خاص لعموم المشاهدين وضرب “طر” محترم لهم،.. وكأن لم يكف ما يحصل للعروسين، جيء بأمهاتهم حتى تكون الفرجة ب”جلاجل”.
لعل البرنامج يحمل رسالة عميقة لم نفهمها بسبب سطحية الطرح، لربما جاء بديلا لإعلان “كينة لهلال”، ولكن بشكل أكثر قسوة، فبدل اختيار لقطة “نعمة” في فيلم ” أفواه وأرانب” وهي تتذمر من زواج شقيقتها وكثرة أطفالها أمام “الطشت” ” قال ايه أتزوج عشان أجيب 12 عيل.. يا عيني عليهم أجيبهم في الدنيا دي عشان أزود الجيعانين والفقرانين والجهلة”،.. ثم تقف لتظفر شعرها، استعدادا للتوجه صوب العمل، وتقول عبارتها الشهيرة ” ماهو لو كنتي خلفتي لك عيلين كنتي أكلتيهم حتة زفر مش كل سنة عيل زي الأرنبة”..
البرنامج ” ضيق الخلق” جاء من الآخر، عوض التحسيس بأهمية تحديد النسل وتنظيم الأسرة وتوزيع حبوب منع الحمل، عالج المشكلة من الجذور، حتى يجعل المتزوجين عبرة لمن يقول “يا زواج”، ليعزف من لم يعزف بعد عن الارتباط، وكفى الله المؤمنين شر القتال.
نجاة حمص