النفط في تشاد : من مسيرة الإكتشاف إلى تحديات الإقتصاد

عبد الباقي27 يونيو 2025
النفط في تشاد : من مسيرة الإكتشاف إلى تحديات الإقتصاد

 

 

لطالما ارتبط تاريخ تشاد الحديث ارتباطاً وثيقاً بقطاعها النفطي، فمنذ عقود، تحول هذا المورد الطبيعي إلى شريان حيوي للاقتصاد التشادي، مُشكلاً بارقة أمل للتنمية، ولكنه أيضاً مصدراً لتحديات معقدة.

من التنقيب الأولى الاكتشافات الكبرى: حقبة السبعينات ونقطة التحول عام 1996
بدأت قصة النفط في تشاد في سبعينيات القرن الماضي انطلاق عمليات التنقيب التي أسفرت عن تحديد حقول واعدة في منطقتي “كومي” و”مينادوم” عام 1973. لكن هذه الاكتشافات المبكرة لم تُترجم إلى تطور كبير بسبب الصراعات السياسية والحروب الأهلية التي عصفت بالبلاد بعد استقلالها عام 1960.
حيث شكل عام 1996 نقطة تحول جوهرية، عندما غير شركة إكسون موبيل قواعد اللعبة باكتشافها احتياطيات ضخمة من النفط تتراوح بين 800 مليون ومليار برميل في حوض دوبا بجنوب تشاد.
كان هذا الاكتشاف بمثابة إعلان عن فجر جديد لمستقبل تشاد الاقتصادي.

تحديات الإنتاج والتصدير: ولادة خط أنابيب تشاد ـ الكاميرون
مع الكشف عن كنوز حوض دوبا، واجهت تشاد تحديات لوجستية ضخمة لاستغلال هذا الخام.
فبالإضافة إلى كون الخام التشادي من النوع الثقيل الذي يُباع بأسعار أقل، كانت تشاد دولة حبيسة تفتقر إلى ساحل بحري. كان الحل يمكن في مشروع استراتيجي ضخم: خط أنابيب تشاد ـ الكاميرون.
يمتد هذا الشريان الحيوى على طول 1,070 كيلومتراً، ربطاً حقول النفط في حوض دوبا بميناء كريبي على ساحل المحيط الأطلسي في الكاميرون. في أكتوبر 2003، تدفقت أولى قطرات النفط لأول مرة كانت هذه لحظة تاريخية من الرخاء والاستقرار بعد عقود من الفقر والنزاعات.
منذ ذلك الحين، أصبح النفط هو المحرك الرئيسي للإقتصاد التشادي، حيث يشكل مايزيد عن 70% من عائدات التصدير والإيرادات الحكومة.

تطورات لاحقة وتحديات مستمرة في القطاع النفطي.
شهد قطاع النفط في تشاد تطورات إضافة، أبرازها إنشاء مصفاة وطنية بالتعاون مع شركة البترول الوطنية الصينية (CNPC) بطاقة تبلغ حوالي 20 ألف برميل يومياً. تهدف هذه المصفاة إلى تلبية جزء من احتياجات تشاد المحلية من المشتقات النفطية. تستمر عمليات التنقيب، حيث تقدر الاحتياطيات المؤكدة بحوالي 1.5 مليار برميل، مع وجود احتياطيات كبيرة من النفط الصخري.

حقول النفط التشادية والشركات المشغلة
تتوزع مناطق اكتشاف وإنتاج النفط في تشاد بشكل رئيسي في ثلاث مناطق:
حوض دوبا (Doba Basin) في الجنوب: هذه هي المنطقة الأكثر أهمية وإنتاجية، وتضم حقولاً رئيسة مثل كومي، مينادوم، بولوبو، باديلا، مانجارا، وكريم. يُعرف النفط المستخرج منها باسم “خام دوبا” بجودته العالية ومحتوى الكبريت المخفض.
منطقة حوض بحيرة تشاد – بلدة رقرق بمحافظة كانم (شمال غرب البلاد).
منطقة أوزو(Aouzou) اقصى شمال تشاد: التى كانت تاريخياً محل نزاع مع ليبيا.
شهدت ملكية وتشغيل هذه الحقول تغيرات عبر السنين، من أبرز الشركات التي عملت أو لا تزال تعمل في آبار النفط التشادية: إكسون موبيل (ExxonMobil):كانت رائدة في استغلال حقول حوض دوبا.
شيفرون(Chevron) وبتروناس (Petronas):كانتا جزءاً من الكونسورتيوم الذي يدير حوض دوبا.
بيرينكو(Perenco): استحوذت على أصول “جلينكور” واصبحت المالك والمشغل الوحيد لحقول باديلا، مانجارا، وكريم تحت اسم “بترو تشاد منغارا (PetroChad Mangara)”، والتى تساهم بنحو 2% من إنتاج تشاد اليومي وتلتزم بتدريب وتوظيف الكوادر التشادية.
شركة البترول الوطنية الصينية (CNPC): شريك مهم في القطاع وتشارك في تشغيل المصفاة.
سافانا إنرجي (Savannah Energy): استحوذت على أصول إكسون موبيل وبتروناس في تشاد، لتصبح مشغلاً رئيسياً.

سوسيتيه دي هيدروكربوريس دو تشاد (Societé des Hydrocarbures du Tchad-SHT): شركة النفط الوطنية التشادية، وتسعى لزيادة حصة الدولة.

بيع وتزيع البترول التشادي: التصدير مقابل الاستهلاك المحلي
يتم بيع وتوزيع البترول التشادي على مستويين رئيسيين: التصدير الدولي (النفط الخام): يمثل التصدير حوالي 90% من انتاج النفط التشادي، وهو المصدر الرئيسي للإيرادات. يتم ذلك بشكل أساسي عبر خط أنابيب تشاد ـ الكاميرون إلى ميناء كريبي، ثم يُباع في الأسواق العالمية. الوجهات الرئيسية تشمل الصين، المانيا، فرنسا، هولندا، الإمارات العربية المتحدة، الهند، تركيا، والولايات المتحدة الأمريكية.

الاستهلاك المحلي (المنتجات النفطية المكرارة):
تكرر كمية صغيرة من النفط الخام في مصفاة تشاد القريبة من أنجمينا، لإنتاج مشتقات مثل البنزين والديزل. يتم توزيع هذه المنتجات محلياً عبر شركات مثل SHY, STAR OIL Tchad,SPP.

التحديات التى تواجه قطاع النفط في تشاد
على الرغم من الثروة النفطية، لم تُستغل هذه الإيرادات بشكل كامل في التنمية الشاملة للبلاد .يواجه القطاع تحديات متعددة:
الإدارة والفساد: واجهت تشاد انتقادات حادة بشأن سوء إدارة عائدات النفط، حيث يُقال إن جزءاً كبير منها وُجّه نحو الإنفاق العسكري وشراء الولاءات بدلاً من الاستثمار في البنية التحتية والخدمات الأساسية. الفساد والصراعات الداخلية يُعدان من أكبر هذه التحديات.
التبعية الخارجية: تعتمد تشاد بشكل كبير على الشركات النفطية الأجنبية للخبرة والتقنيات، مما يُقلل من السيطرة الوطنية الكاملة على هذا القطاع الحيوي.
البنية التحتية الضعيفة: لا يزال البنية التحتية في تشاد غير كافية، مما يؤثر على كفاءة نقل وتصنيع النفط.
حقول النفط الناضجة: أصبحت بعض أكبر حقول النفط ناضجة، مما يؤثر على معدلات الإنتاج ويتطلب استثمارات إضافية في تقنيات الاستخلاص المحسّن.
الموقع الجغرافي: كون تشاد دولة غير ساحلية يزيد من تكاليف النقل عبر خط الأنابيب، مما يؤثر على جدوى الاقتصادي.
مشاكل تقنية وتشغيلية: مثل أي حقول نفطية، تواجه آبار تشاد تحديات تتعلق بالحفر والإنتاج والصيانة.
النزاعات والخلافات: شهد القطاع نزعات بين الحكومة والشركات النفطية بشأن الترخيص والإيرادات، مما أثر على استقرار الإنتاج.

الاستهلاك الداخلي مقابل التصدير: نظرة عامة
على الرغم من كونها منتجاً للنفط، فإن استهلاك تشاد من النفط محلياً منخفض جداً مقارنة بإنتاجها. في عام 2016، استهلكت تشاد حوالي 2,299 برميل يومياً، بينماصدرت حوالي 85% من إنتاجها النفطي (97,079 برميل يومياً). يعكس هذا الفارق الكبير اعتماد تشاد الشديد على التصدير لتحقيق الإيرادات، بينما لاتزال تعاني من تحديات في توفير الطاقة الكافية لمواطنيها.

الخلاصة:
يظل قطاع البترول في تشاد محركاً رئيسياً لاقتصاد البلاد، على الرغم من التحديات الجسيمة المتعلقة بالإدارة، والاستثمار، والتوزيع العادل للثروة، والصرعات الداخلية. إن تحقيق الاستفادة القصوى من هذه الموارد الطبيعية لدفع عجلة التنمية الشاملة يبقى التحدي الأكبر لتشاد في المستقبل. ياترأ ماهي الاجراءات التي تعتقد أن تشاد يمكن أن تتخذها للتغلب على هذه التحديات وتحقيق اقصى استفادة من ثروتها النفطية.

هنا الصحراء : الشيماء عبدالرحمن

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *