في شوارع مدن الصحراء ، لم يعد من الغريب أن تصادف أجسادًا منهكة و أرواحا تائهة تنام على الأرصفة أو تتحدث إلى نفسها تحت أشعة الشمس الحارقة، هم متشردون و مختلون عقلياً، تركهم الزمن خلفه، و غابت عنهم يد الجمعيات المدنية، ليصبحوا جزءاً صامتاً من المشهد اليومي في مدن الصحراء .
تقول المحجوبة، و هي أم لثلاث أطفال في مدينة العيون في تصريح لـ«هنا الصحراء» : “أصبحت أخاف على أولادي عندما نخرج، فبعضهم يصرخ فجأة أو يرشق المارة بالحجارة. لا ذنب لهم، لكن لا أحد يهتم بوضعهم.” شهادات مماثلة تتكرر في الداخلة و كلميم، حيث يؤكد السكان أن الظاهرة لم تعد استثنائية، بل تحولت إلى واقع يومي يؤرق العائلات و يشوه صورة المدن، خاصة تلك التي تراهن على السياحة و الاستثمار.
المثير للقلق أكثر، حسب عدد من الفاعلين المدنيين بالعيون في حديثهم لـ«هنا الصحراء» ، هو أن كثيراً من هؤلاء الأشخاص يُعتقد أنهم رُحلوا من مدن شمالية كبرى نحو الصحراء، دون أي مرافقة طبية أو اجتماعية، و كأن الأمر لا يعدو كونه تصديراً لمشكلة بدل حلها.
و بينما تشير تقديرات إلى أن المغرب لا يتوفر سوى على 170 طبيباً نفسياً لمواكبة آلاف الحالات، تظل البنيات الصحية شبه منعدمة في المدن الجنوبية، مما يجعل هؤلاء الأشخاص عرضة للتشرد و الضياع، بل و أحياناً للاستغلال أو الاعتداء.
رغم خطورة الوضع، يظل الصمت سيد الموقف. لا مبادرات رسمية كافية و لا تدخلات مدنية، و لا خطط واضحة لاحتواء الأزمة، بينما تستمر المعاناة في العلن، وتُترك هذه الوجوه المنسية تواجه قدرها وحدها، في غياب تام لحقها في الرعاية و الكرامة الإنسانية.