كشفت برقية استخباراتية سرية لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، تعود إلى 18 يوليو 1981، إطلعت عايها «هنا الصحراء» أن الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد عبر صراحة عن استعداده لفرض حل سياسي على جبهة البوليساريو، بهدف إنهاء النزاع في الصحراء الذي اعتبرته الجزائر آنذاك تهديداً لمصالحها الوطنية.
البرقية، التي أُعدت عقب قمة منظمة الوحدة الإفريقية في نيروبي واجتماع للجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني، توضح أن القيادة الجزائرية باتت ترى في استمرار الحرب استنزافاً إقليمياً و سياسياً. و جاء فيها أن بن جديد “خلص بشكل قاطع إلى ضرورة تخلي البوليساريو عن خيار الحرب المفتوحة، ولو تطلب الأمر فرض تسوية سياسية بالقوة”.
و تضيف الوثيقة أن جبهة التحرير الوطني الجزائرية رسمت معالم موقفها الجديد بثلاث نقاط أساسية:
1. منع معمر القذافي من الهيمنة على البوليساريو بأي ثمن، في إشارة إلى النفوذ الليبي المتزايد آنذاك في المنطقة.
2. رفض الجزائر لأي وقف لإطلاق النار لا يحظى بموافقة البوليساريو رسميًا.
3. التمسك بهدف “الاستقلال الإقليمي” للصحراء، مع قابلية التفاوض بشأن حدود الكيان الصحراوي.
البرقية، المستندة إلى مصادر لم تُكشف تفاصيلها الكاملة، أشارت إلى توافق داخل دوائر القرار الجزائرية بشأن استخدام أدوات الضغط على البوليساريو، بما في ذلك تقليص الدعم العسكري، مقابل استمرار الدعم السياسي و الاقتصادي، لدفع الجبهة نحو القبول بتسوية سياسية متفاوض بشأنها.
كما أظهرت الوثيقة قناعة راسخة لدى المسؤولين الجزائريين بأن المرحلة تقتضي مرونة سياسية تُنهي حالة الحرب و تؤمن للجزائر موقعاً متوازنًا في المعادلة الإقليمية، دون تفريط رمزي في مطلب “الاستقلال” الذي ظل شعارًا رئيسيًا للدبلوماسية الجزائرية في تلك المرحلة.
و تعزز هذه الوثائق الاستخباراتية ما كانت تشير إليه تقارير إعلامية و دبلوماسية سابقة حول بداية التباعد التكتيكي بين الجزائر و البوليساريو منذ أوائل الثمانينيات، و هو ما شكل منعطفاً ضمنياً في موقف الجزائر من النزاع الذي استمر لعقود.
