عندما تصطدم الكرامة بالسياسة: تشاد في مواجهة العاصفة الأمريكية في قلب الساحل الإفريقي

عبد الباقي8 يونيو 2025
عندما تصطدم الكرامة بالسياسة: تشاد في مواجهة العاصفة الأمريكية في قلب الساحل الإفريقي

 

حيث تنسج خيوط الجغرافيا السياسية بتعقيد وحذر، تقف تشاد اليوم عند مفترق طرق حاسم.

لم تعد مجرد حليف استراتيجي في الحرب العالمية على الإرهاب، بل أصبحت دولة تعلن بصوت عالٍ أن كرامتها الوطنية ليست سلعة للمقايضة في أسواق المصالح الدولية. فقرار الرئيس الأمريكي دوناترامب بفرض حظر سفر يشمل المواطنين التشاديين لم يكن مجرد إجراء إداري، بل كان الشرارة التي أشعلت نار الرد السيادي، وكشفت عن عمق التوترات المكتومة في علاقة لطالما وصفت بالحيوية والتقلب. الرد التشادي جاء حازماً و فورياً، تطبيققاً لمبدأ المعاملة بالمثل، عبر تعليق منح التأشيرات للأمريكيين.

لكن البيان الأقوى لم يكن في القرار نفسه، بل في الكلمات التي اختارها الرئيس محمد إدريس ديبي إتنو لتعريف موفق بلاده: “ليس لدى تشاد طائرات لتقدّمها ولا مليارات الدولارات لتعطيها، لكنّ لدى تشاد كرامتها وعزّة نفسها”. هذه العبارة الموجزة لم تكن مجرد رد فعل غاضب، بل كانت إعلاناً فلسفياً وسياسياً مفاده أن ميزان القوى لايُقاس بالعتاد والثروة فحسب، بل بالسيادة والاعتداد بالنفس.

أزمة على أرضية متصدعة
لم تأتِ هذ الأزمة من فراغ. فالعلاقات التشادية-الأمريكية كانت أشبه بمسار متعرج شهد محطات من الود والتعاون، وأخرى من التوتر والتحذير. فبينما كانت واشنطن تدعم المرحلة الإنتقالية وتوقع اتفافية تعليمية طموحة في مارس 2024، كانت هي نفسها التي حذرت رعاياها من مغادرة البلاد في 2021 ووصفت الأوضاع ب”السيئة”.

والأهم من ذلك، أن هذا الصدام الدبلوماسي يأتي بعد عام واحد فقط من أزمة كادت أن تنهى الوجود العسكري الأمريكي في البلاد.

ففي أبريل 2024، اهتزت الشراكة الأمنية بعنف حين هددت أنجمينا بإلغاء “اتفاقية وضع القوات” وطالبت برجيل الجنود الأمريكيين، في خطوة فُسرت آنذاك بأنها رسالة سياسة رافضة لأي تدخل في شؤونها الداخلية. ورغم عودة القوات لاحقاً، إلا أن الحادث كشفت عن وجود صدع عميق في أساس هذه الشراكة.

إن حظر السفر اليوم لم يخلق أزمة جديدة، بل صب الزيت على نار كانت متقدة بالفعل تحت الرماد.
في مرمى التنافس الدولي
ترداد القصة تعقيداً عندما نضع تشاد في إطارها الجيوسياسي الأوسع. فالبلاد التى تعد ركزة استقرار في منطقة مضطربة، تجد نفسها بشكل متزايد “بؤرة صراع” محتملة بين القوى الكبرى، وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، اللتين تتنافسان على توسيع نفوذهما في إفريقيا. هذا التنافس يضع على كاهل القيادة التشادية ضغوطاً هائلة، ويغذي المخاوف الشعبية من تحويل البلاد إلى ساحة لتصفية الحسابات الخارجية، أو ممر للإمدادات العسكرية التي تؤجج الصرعات الإقليمية كالحرب المأساوية في السودان المجاور.

إن قرار حظر السفر الأمريكي، بمعاييره المثيرة للجدل وقيته الحساس، لايُقرأ في أنجمينا كإجراء أمني معزول، بل كجزء من هذه الديناميكية الأوسع التى تتشابك فيها المصالح الدولية مع التحديات الداخلية.

في النهاية تمثل ردة فعل تشاد لحظة فارقة تتجاوز تفاصيل حظر السفر. إنها قصة دولة تسعى لإعادة تعريف علاقاتها مع العالم، مؤكدةً إنها شريك لاتابع، وأن احترام السيادة هو شرط أساسي لأي تحالف. وبينما يراقب العالم كيف ستتطور هذه المواجهة، يبقى السؤال مطروحاً: هل ستتمكن تشاد من المناورة في هذا المشهد الدولى المعقد، محققة التوازن بين مصالحها الأمنية وكرامتها الوطنية، أم ستجد نفسها مضطرة للاختيار في لعبة الكبار التي لا ترحم؟ إن مستقبل الاستقرار في قلب الساحل قد يعتمد على الإجابة.

هنا الصحراء : الشيماء عبدالرحمن

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *