الهجرة السرية…حين يفقد الشباب الإيمان بالبر و يبحث عن خلاص في البحر

رئيس التحرير12 أغسطس 2025
الهجرة السرية…حين يفقد الشباب الإيمان بالبر و يبحث عن خلاص في البحر
رئيس التحرير

 

بيري محمدو

لم تعد الهجرة مجرد حلم لبعض الشباب، بل أصبحت بالنسبة لآلاف منهم خيارًا اضطراريًا، أشبه بعملية إنقاذ فردية من واقع خانق. الظاهرة لم تولد من فراغ، بل هي نتاج سنوات طويلة من سياسات عرجاء، وفرص معدومة، وانسداد أفق جعل البحر في نظرهم أرحم من الوطن.

القصة تبدأ غالبًا مع أسرة بسيطة، أب أو أم يكدحان طوال العمر لتعليم أبنائهم. تُصرف المدخرات على الدروس، والكتب، وأجور الجامعات، وسط وعود متكررة بأن الشهادة هي المفتاح الذهبي لمستقبل آمن.

لكن حين يحين وقت القطاف، يجد الشاب نفسه في طابور طويل أمام أبواب مغلقة، حيث الوظائف النادرة محجوزة سلفًا لمن يملك النفوذ أو المال، لا لمن يملك الكفاءة.

هنا، تتشكل فجوة نفسية خطيرة: إحباط يتراكم، إحساس بالظلم، وقناعة بأن البقاء يعني موتًا بطيئًا. في المقابل، الهجرة، حتى ولو عبر طرق ملتوية أو قوارب الموت، تبدو وكأنها “فرصة أخيرة” للنجاة. البعض يهاجر بشكل قانوني إن استطاع، لكن الأغلبية لا تملك سوى المغامرة بكل شيء، حتى بحياتها.

تحليل الظاهرة يكشف أن أسبابها ليست فردية، بل بنيوية:
.انسداد سوق العمل المحلي بسبب سوء التخطيط وضعف الاستثمار في القطاعات المنتجة.

غياب تكافؤ الفرص، إذ تحكم العلاقات الشخصية والرشوة في التوظيف، بدل معيار الكفاءة.
انعدام الثقة في المؤسسات، فالشباب لا يرون جدية في الإصلاح ولا عدالة في توزيع الفرص.

الإغراء الخارجي، حيث تبدو صورة “الغرب” أو “الخارج” على وسائل التواصل وكأنها الفردوس المفقود، مقارنةً بواقعهم المحلي القاسي.
الهجرة إذن ليست مجرد قرار شخصي، بل مرآة تعكس فشل منظومة كاملة في احتضان طاقاتها. كل شاب يغادر هو خسارة للوطن، ليس فقط لأننا نفقد عقله وسواعده، بل لأننا نخسر الثقة التي كان يحملها فينا.

إذا لم يتم التعامل مع هذه الظاهرة بجرأة عبر إصلاحات جذرية، فإن البحر سيظل هو المنفذ، وسيظل الوطن ينزف من قلبه قبل حدوده.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *