في ذاكرة قبيلة أولاد دليم، أحد أبرز مكونات المجتمع الصحراوي المغربي، يتردد اسم العقيد شريف ولد المختار الدليمي بكل فخر واعتزاز. فهو ليس مجرد اسم عابر في صفحات التاريخ المحلي، بل شخصية وازنة جمعت بين الحكمة والقيادة، بين الانتماء للقبيلة والولاء للوطن، بين العمل الميداني في السلطة وبين الصرامة والانضباط العسكري.
وُلد العقيد شريف في بيئة صحراوية تميزت بالصلابة والقيم الراسخة، ونشأ في كنف قبيلته أولاد دليم، التي عُرفت تاريخياً بمواقفها الوطنية ودورها في مقاومة الاستعمار الإسباني والفرنسي، وبحفاظها على الهوية الصحراوية الأصيلة. منذ بداياته، أبان شريف عن شخصية قيادية، جمعت بين الشجاعة والرصانة، فشق طريقه نحو العسكرية، ليصل إلى رتبة عقيد في القوات المسلحة الملكية، وهي رتبة لا ينالها إلا من تمرّس بالمسؤولية واختبرته الميادين.
لكن التميز الأبرز في مسيرته كان تكليفه بمنصب أول عامل على إقليم وادي الذهب بعد استرجاع الصحراء إلى حظيرة الوطن. لم يكن هذا التعيين مجرد منصب إداري، بل كان تكليفاً وطنياً في لحظة دقيقة من تاريخ المغرب، لحظة كانت تتطلب رجالاً من طينة خاصة، يفهمون تركيبة المجتمع الصحراوي، ويحظون بثقة الدولة والقبائل على حد سواء. وهنا كان شريف ولد المختار الدليمي في الموعد.
بصفته عاملاً على وادي الذهب، ساهم العقيد شريف في ترسيخ حضور الدولة المغربية في الإقليم، وتعزيز الاستقرار، وفتح قنوات الحوار مع وجهاء وشيوخ القبائل، مع المحافظة على الأعراف والتقاليد المحلية. كما لعب دوراً محورياً في بناء جسور الثقة بين الإدارة المركزية والمجتمع المحلي، مجسداً نموذج رجل السلطة القريب من المواطن، المتشبث بالوحدة الترابية، والحريص على خدمة الوطن من موقعه.
لقد كان رحمه الله حكيماً في مواقفه، متبصّراً في قراراته، صلباً في مبدئه، متواضعاً في تعامله. لا يذكره أهل الصحراء إلا بكل خير، رجل لم تغره المناصب ولا الألقاب، بل ظل وفياً لروحه البدوية الأصيلة، ولمبادئ الوطنية التي تربى عليها.
رحل العقيد شريف ولد المختار الدليمي إلى دار البقاء، لكن ذكراه لا تزال حاضرة في وجدان كل من عرفه، سواء من أبناء قبيلته أولاد دليم، أو من الصحراويين عامة، أو من زملائه في الجيش والإدارة. لقد ترك بصمة يصعب تكرارها، وسيرةً تستحق التوثيق و التأريخ.