السالك خيا.. أيقونة المقاومة الصحراوية التي لا تنطفئ

رئيس التحرير5 أغسطس 2025
السالك خيا.. أيقونة المقاومة الصحراوية التي لا تنطفئ

 

في ذاكرة الصحراء المغربية، تقف أسماء قليلة شامخة كالجبال، تشهد على زمن المقاومة و الإيمان العميق بالوطن ووحدته الترابية. من بين تلك الأسماء التي وشمت صفحات النضال بالدم والكرامة، يبرز اسم السالك خيا، المقاوم المنحدر من قبيلة أولاد تيدرارين، والذي يُعدّ أحد أبرز رموز الكفاح الوطني ضد الاحتلال الإسباني في الأقاليم الصحراوية خلال النصف الأول من القرن العشرين.

و وُلد السالك خيا وسط بيئة قبلية أصيلة مشبعة بالقيم الدينية والولاء التاريخي للعرش العلوي، حيث عُرفت قبيلة أولاد تيدرارين منذ قرون بانخراطها في الدفاع عن السيادة الوطنية في الصحراء، وتشبثها بالهوية المغربية الإسلامية. لم يكن السالك مجرّد مقاوم يحمل البندقية في وجه الاستعمار الإسباني، بل كان صوتاً داعياً لوحدة الصف، وموجهاً للقبائل نحو الالتفاف حول العرش العلوي في زمن تكاثرت فيه المؤامرات ومحاولات زرع الانفصال.

حيث عُرف خيا بنشاطه الميداني في تعبئة رجال القبائل وتهيئة الظروف لانطلاق العمليات المقاومة في مناطق تمتد من بوجدور إلى الداخلة، وشارك في العديد من التحركات التي سبقت عمليات جيش التحرير المغربي في الصحراء أواخر الأربعينيات وبداية الخمسينيات.

لم يكن ظهوره محدوداً في ساحات المعركة فقط، بل كان أيضاً مرجعية روحية واجتماعية داخل قبيلته، حيث جمع بين الانتماء الصوفي التقليدي والدور المقاوم العصري، وهو ما جعل منه شخصية جامعة تنصت لها مختلف شرائح المجتمع الصحراوي.

بذكر أن قبيلة أولاد تيدرارين، التي ينحدر منها السالك خيا، تنتمي إلى الحلف التاريخي لقبائل تكنة، وهي قبيلة عربية أنصارية عريقة، يعود نسبها إلى الصحابي الجليل حنين بن سرحان الأنصاري، أحد رجال الفتح الإسلامي في شمال إفريقيا. لعبت القبيلة أدواراً محورية في حماية السيادة المغربية، وكانت من أولى القبائل التي رفضت التعامل مع الإدارة الاستعمارية الإسبانية، خاصة في عهد زعيمها محمد بن عبد الله، الذي اغتاله الإسبان سنة 1960 بعد رفضه دفع “العُشر” لقوات الاحتلال.

و في ديسمبر 2024، احتفت منظمات مدنية وهيئات وطنية بشخصية السالك خيا، وكرّمته باعتباره رمزاً من رموز الوطنية في الصحراء المغربية، خلال حفل نُظم بمدينة العيون بشراكة بين الهيأة الوطنية للشباب الدبلوماسي وعدة جمعيات صحراوية.

وقد أشاد المتدخلون خلال الحفل بسيرته النضالية ومكانته في ذاكرة المقاومة الصحراوية، مؤكدين أن السالك خيا يمثل أحد أعمدة النضال الوحدوي في الجنوب المغربي، إلى جانب رجالات آخرين من أمثال علي بويا ولد ميارة والسالك ولد الفيطح وبنسعيد آيت إيدر.

السيرة النضالية للسالك خيا لا تزال شاهدة على مرحلة دقيقة من تاريخ المغرب الحديث، حيث التقت الإرادة الشعبية مع القيادة الملكية في مشروع تحرير الأرض وبناء الدولة. هو واحد من أولئك الذين لم تُكتب أسماؤهم في المقررات الدراسية، لكن ذكراهم خالدة في قلوب رجال الصحراء ونسائها.

و لعل أهم درس يُقدّمه السالك خيا للأجيال الجديدة هو أن الوطنية لا تُقاس بالخطابات، بل تُجسَّد بالمواقف… وأن حب الوطن لا يحتاج إلى منبر، بل إلى شجاعة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *