طفولة للبيع : القُصر في قبضة شبكات التسول بمدينة العيون

رئيس التحرير2 أغسطس 2025
طفولة للبيع : القُصر في قبضة شبكات التسول بمدينة العيون

وسط زحام ساحة الدشيرة بقلب مدينة العيون، لا تخطئ عينك ملامح البراءة الممزوجة بالتعب على وجوه أطفال لا يتجاوز عمر بعضهم ثماني سنوات. لا يلعبون كما يفعل أقرانهم، بل يقفون في صمت أو يطوفون بين السيارات والمقاهي، بأيدي ممدودة وعيون مُترجية، في مشهد أصبح مألوفاً حتى فقد وقعه على قلوب الكثيرين.

من ساحة الدشيرة إلى الساحة البيضاء بحي العودة، مروراً بـشارع الخمسين بالأحياء الشرقية، تتكرر الظاهرة بصيغ مختلفة و لكن القاسم المشترك بينها هو استغلال الطفولة في أنشطة تُدار بطرق مموهة، يصعب على المواطن العادي تمييزها بسهولة.

“شوف خويا، راه كاينين اللي يخرجوهوم مع الصباح ويخليهم حتى الليل، وفي الآخر يديه الفلوس كلها”، يقول أحد سكان حي العودة لـ«هنا الصحراء» و هو يشير إلى طفل لا يتجاوز العاشرة، يقف قبالة إشارات المرور ممسكاً بكيس من الحلوى.

فبعض القُصر لا يتسولون بشكل مباشر، بل يُدفع بهم إلى أداء أدوار تمثيلية توحي بأنهم يبيعون شيئاً – غالباً علكة أو حلوى – لكن الهدف الحقيقي هو إثارة الشفقة للحصول على المال. الطريقة غالبًا ما تكون واحدة: يضع الطفل “البضاعة” على طاولة زبائن المقهى، في حين يمر على الزبائن مبتسمًا أو مطأطئ الرأس. البعض يعطيه المال وهو يعتقد أنه يشتري، وآخرون يرفضون، لكن الطفل لا يحتجّ. من يقترب منه أكثر، يكتشف أن “البيع” مجرد قناع رقيق لطلب المساعدة.

مصادر محلية تؤكد لـ«هنا الصحراء» أن بعض هذه الحالات لا تتحرك بعفوية، بل يتم تنسيقها من طرف بالغين يتحكمون في تحركات الأطفال وأدوارهم. في كثير من الأحيان، يُنقل الأطفال من حي إلى آخر حتى لا تثير وجوههم المتكررة انتباه المارة.

يقول ناشط جمعوي من العيون في تصريح لـ«هنا الصحراء» فضل عدم الكشف عن هويته:
“هناك نساء يأتين إلى الساحات ومعهن أطفال لا يُعرف إن كانوا أولادهن فعلاً. البعض يُستغلُّن في الشوارع،والبعض الآخر يُبقَون في نقاط محددة طوال اليوم. الخطير أن هذه الممارسات تمر تحت أعين السلطات دون ردع حقيقي.”

و رغم أن المغرب يتوفر على قوانين تحمي القاصرين من الاستغلال، إلا أن تفعيلها يبقى محدودًا على مستوى المدن الداخلية كمدينة العيون. فظاهرة تسوُّل القُصَّر تمسّ بأبسط حقوق الطفل، وتُشكّل ثغرة في جدار الحماية الاجتماعية.

يذكر أن الجمعيات النشيطة في مجال حماية الطفولة تطالب بتدخل عاجل للسلطات الأمنية و المنتخبة، ليس فقط لطرد الأطفال من الشوارع، بل لتفكيك الشبكات التي تستغلهم، و تقديم البدائل الحقيقية للأسر التي ترزح تحت الفقر.

و في الاخير في مدينة مثل العيون، يُفترض أن تكون نموذجاً في التنمية بالأقاليم الجنوبية، لا تزال بعض الزوايا تخفي مآسي حقيقية تُداس فيها براءة الطفولة تحت أقدام الحاجة و الاستغلال، فهل يتحرك المسؤولون قبل أن تكبر الظاهرة و يتحول ضحايا اليوم إلى جناة الغد؟

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *