دعا الدبلوماسي المغربي السابق لدى الأمم المتحدة، جمال بن عمر، إلى وقف التصعيد اللفظي والتسابق العسكري بين المغرب والجزائر، معتبرًا أن حلّ النزاع في الصحراء لا يمكن أن يأتي من الخارج، بل ينبغي أن ينبثق من إطار مغاربي شامل، يشمل المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر.
وفي حوار مطول خص به موقع Mediapart الفرنسي، اعتبر بن عمر أن دعوة الملك محمد السادس الأخيرة إلى الجزائر لاستئناف الحوار تُعد مبادرة إيجابية في حد ذاتها، غير أن المقاربة الدبلوماسية المعتمدة على المواجهة واستقطاب الدعم الدولي تتنافى، في نظره، مع منطق التهدئة وبناء الثقة.
وانتقد بن عمر اعتماد الرباط على عدد الدول الداعمة لمبادرة الحكم الذاتي كمؤشر على التقدّم في ملف الصحراء، مشيرًا إلى أن هذه مقاربة “سطحية”، وفق تعبيره. وأضاف: “الأهم هو مدى استعداد الصحراويين أنفسهم للعيش تحت السيادة المغربية”. كما اعتبر أن رفض الرباط لفكرة الاستفتاء قد يُفهم على أنه تخوف من نتيجة لا تصبّ في صالحها.
وأشار بن عمر إلى أن الأمم المتحدة لم تحسم بعد في مفهوم “تقرير المصير”، وهو ما يترك مجالًا للغموض تستفيد منه القوى الكبرى، لكنه لا يسهم في حلّ جوهر النزاع. واقترح أن يكون الحل المستدام مبنيًا على ثلاث مستويات متكاملة: حوار داخلي بين الصحراويين، تفاوض مباشر بين المغرب وجبهة البوليساريو، وانفتاح سياسي حقيقي بين الرباط والجزائر.
وفي هذا السياق، تساءل بن عمر عن جدوى تصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية تابعة لإيران وحزب الله، قائلاً: “إذا كان الهدف هو التفاوض، فكيف يتم ذلك مع طرف يُنظر إليه كتنظيم إرهابي؟”
كما ربط بين استمرار الاعتقالات في صفوف نشطاء حراك الريف وغياب الثقة في المبادرات السياسية الرسمية، متسائلًا: “كيف يمكن إقناع الصحراويين بنزع السلاح والانخراط في خطة لم يُستشاروا فيها أساسًا؟”
وحذّر بن عمر من إمكانية انزلاق الوضع إلى صدامات مسلحة، مستحضرًا المواجهات السابقة بين المغرب والجزائر في سنتي 1963 و1976، ولاحظ أن سباق التسلح بين البلدين بلغ مستويات مثيرة للقلق.
ووصف العلاقات الحالية بين الرباط والجزائر بأنها أقرب في بعض أوجهها إلى حالة الانقسام في شبه الجزيرة الكورية، رغم ما يجمع الشعبين من تاريخ وهوية مشتركة، معتبرًا أن هذا الوضع “عبثي من الناحية الأخلاقية والتاريخية”.
ومن خلال مركزه الدولي لمبادرات الحوار (ICDI)، يسعى بن عمر إلى إطلاق دينامية مجتمعية مغاربية مستقلة عن الأنظمة السياسية، مؤكدًا أن الشعوب المغاربية ترفض منطق العداء والتصعيد، رغم حملات التضليل المتكررة، ومطالبًا بتحرّك مدني يرفع شعار: “كفى من التصعيد والتقسيم المصطنع”.
ورداً على سؤال حول إمكانية جمع المغرب والجزائر حول طاولة الحوار، قال إن الوقت لا يزال مبكرًا لتحقيق ذلك، لكنه أكد أن الأمر يتطلب جدول أعمال واضح، وأهدافًا محددة، وإرادة سياسية جادّة.
واختتم بن عمر حديثه بتأكيده على أهمية المبادرات الرمزية الشجاعة في كسر الجمود، قائلاً: “أحيانًا، تكفي مكالمة هاتفية من رئيس دولة إلى نظيره قائلاً: أخي، الأسبوع المقبل أزورك. المصالحة تبدأ أحيانًا بخطوة بسيطة ولكن شجاعة”.