أصبحت وكالة الإنعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لأقاليم الجنوب، بعد أزيد من عقدين على إنشائها، مؤسسة فاقدة للبوصلة في سياق مؤسساتي جديد فرضه القانون التنظيمي للجهوية، ولا سيما القانون 111.14 المتعلق بالجهات، الذي أحدث تحولا بنيويا في تدبير التنمية على المستوى الترابي، وأسفر عن بروز فاعلين جدد يمتلكون شرعية انتخابية واختصاصات موسعة ومؤسسات تنفيذية متقدمة.
فمع إحداث مجالس جهوية بصلاحيات واسعة وشركات تنمية جهوية، لم تعد وكالة الجنوب تحتفظ سوى بفتات اختصاصات كانت من صميم مهامها سابقا، وهو ما أشر على تراجع فعلي لدورها المحوري، وبداية سحب البساط منها لصالح مؤسسات أكثر قربا من المواطن وأكثر خضوعا للمساءلة.
لكن بدلا من أن تعيد الوكالة النظر في مهامها أو تندمج في النسق المؤسساتي الجديد، واصلت صرف المال العام من ميزانيات ضخمة في مشاريع هامشية وضعيفة المردودية، أغلبها لا يرقى إلى تطلعات الساكنة ولا ينسجم مع رهانات التنمية المستدامة. فقد تحولت تدخلاتها إلى شراء آليات، دعم مواسم ثقافية، بناء زوايا، وتمويل جمعيات مثيرة للجدل، في تغييب شبه تام لأي رؤية مندمجة أو تشاركية.
وفي هذا السياق، يلاحظ أن رواق وكالة الجنوب في موسم طانطان ظل على حاله منذ سنوات دون أي تجديد أو تطوير، ما يعكس حالة الجمود التي تطبع أداء الوكالة حتى في واجهاتها الرمزية التي يُفترض أن تعكس دينامية المؤسسة. كما توجه انتقادات متزايدة لاختياراتها في دعم مهرجانات لا تعود بأي نفع على المنطقة، من بينها مهرجان مرتقب تنظيمه يوم 20 يونيو المقبل بمدينة طانطان، يُنظر إليه كمثال إضافي على تبديد الموارد العمومية في أنشطة موسمية لا تخلق دينامية اقتصادية ولا أثر لها على أرض الواقع. إلى جانب ذلك، تستمر الوكالة في تخصيص ميزانيات لتكوينات شكلية في مجالات لا ترقى إلى الحد الأدنى من شروط التنمية، كما أوقفت بشكل شبه تام دعم المشاريع الشبابية ذات الطابع المقاولاتي، التي كان من الممكن أن تشكل رافعة حقيقية للتشغيل وتحقيق الاستقلال الاقتصادي لفئة واسعة من شباب الأقاليم الجنوبية.
الوكالة لم تعقد مجلسها الإداري منذ سنة 2005، ودائما ما يبرز مقاولون يشتكون من التمرير المبهم لمجموعة من الصفقات، وهو ما يعكس خللا واضحا في تدبير الشأن المالي المرتبط بالمشاريع التي تُنجز باسم التنمية.
وفي ظل هذا الغموض، تغيب آليات المراقبة والتتبع، فلا المجلس الإداري للوكالة يعقد كما ينص القانون، ولا تقارير مالية أو تقييمات تنشر للرأي العام، في مشهد يعزز منطق الغموض ويضعف الشفافية المفترضة في تدبير أموال عمومية تصرف باسم التنمية.
ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه اليوم بإلحاح: ما الجدوى من استمرار مؤسسة فقدت مبرر وجودها؟ ولماذا لا يتم حلها أو إعادة هيكلتها ضمن تصور مؤسساتي ينسجم مع الجهوية المتقدمة؟ أم أن الأمر يتعلق فقط بإدامة وجود صندوق تمويل مبهم دون مساءلة أو أثر ملموس؟