تعتبر مدينة السمارة مهدا لكل ما هو روحي، ورمزا للهوية الدينية التي تشع عبر الزوايا الموجودة بها ، ترسخ وجودها بعمق الصحاري منذ اكثر من قرن من الزمن حتى اضحت جسرا للحضارات.
لقد تجاوزت هذه المدينة التي يمكن وصفها بالقلب النابض بالتاريخ، ونقطة للتلاقي والتبادل، مجالها الجغرافي لتصل الى باقي التراب الوطني، والبلدان المجاورة لتشاطرهم مخزونها من القيم الانسانية والدينية التي اثرها التاريخ، ومن مر بها من ادباء وعلماء .
وتعرف مدينة السمارة، بالعاصمة الروحية للأقاليم الجنوبية، فمنذ حقب مضت، شهدت تكاثرا لاماكن التأمل والصلاة والذكر، والتي وفرت لها الحماية ضد كل تأثير خارجي عن طريق نشرها للإشعاع الديني، فهناك زاوية الشيخ سيدي أحمد الركيبي، وسيدي أحمد العروسي، وسيدي أحمد أو موسى، والشيخ ماء العينين ، الى جانب تواجد أضرحة أولياء أولاد بوسبع، وبويا علي جد أولاد دليم .
الى جانب ذلك عرف إقليم السمارة خلال السنوات الأخير، انجاز وتشييد عدة منشآت دينية ، همت على الخصوص المسجد الكبير الذي تم انجازه على مساحة تبلغ 5000 متر، ممولة من طرف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بغلاف مالي يقدر 20 مليون درهم ، ومؤسسة للتعليم العتيق على مساحة إجمالية تقدر ب4500 متر مربع بكلفة مالية تقدر ب24 مليون درهم، وكذا انجاز مجموعة من المساجد بمختلف الأحياء والتجزئات الحديثة.
و رغم وجود مجموعة من الاكراهات الطبيعية ككون المنطقة محاطة بالصحاري وتفتقر الى الموارد المائية، فقد نجحت مدينة السمارة في الاندماج مع فضاء صحراوي غني وهش، فبقلب منتزه طبيعي تم إحداثه لحماية الأنظمة البيئية الصحراوية، أصبحت هذه المدينة تشكل نقطة انطلاق سياحة تخص اكتشاف عوالم طبيعة جديدة .
فعلى بعد رحلة تدوم ساعتين من مدينة العيون، تشكل السمارة ملتقى الطرق التي تربط بين مدينة طانطان والجماعة الترابية اخفنير على الساحل الأطلسي، وبين جماعتي كلتة زمور نحو الجنوب، والحوزة نحو الشمال ، والدولة الشقيقة موريتانيا عبر جماعتي أمكالا وتيفاريتي.
وتكمن الأهمية التاريخية للسمارة، فيما تحفل به من مؤهلات سياحية ذات قيمة تاريخية وثقافية تتمثل في النقوش الصخرية الهامة، التي تؤرخ لعهود قديمة تعكس في نواح تعبيرية أنماط عيش الإنسان في مراحل وظروف بيئية مختلفة يتطلب استثمارها في الميدان السياحي.
واثقة من جاذبيتها وامكانياتها وجودة معمارها استطاعت مدينة السمارة ان ترفع تحد حقيقي لمواجهة التوسع السريع للمجال الحضري، عبر تحسين مستوى بنياتها التحتية ومساكنها، بمساعدة شركائها من مؤسسات وجمعيات على جميع الأصعدة المحلية والجهوية والوطنية والدولية .
فبعد عودته إلى حظيرة الوطن الأم، والإنعتاق من الاستعمار الاسباني سنة 1975 بفضل المسيرة الخضراء المظفرة، عرف إقليم السمارة تطورا ملموسا في الميادين الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يماثل حوالي خمسة عقود من البناء والتشييد الذي هم جميع القطاعات وعلى جميع المستويات الإنمائية.
وبذلك، تم تدارك النقص الكبير الذي كان يعاني منه الإقليم على مستوى البنيات التحتية، والمتمثل في افتقاره إلى أبسط التجهيزات الأساسية، بفضل المجهودات الجبارة المبذولة من طرف الدولة، حيث أصبح الإقليم ينعم حاليا بشبكة طرقية عصرية، ساهمت في تطوير قطاع النقل.
كما تم التغلب على المشاكل التي كان يطرحها النقص الحاد في مادة الماء الصالح للشرب، وذلك بتعميم الشبكة الخاصة بهذه المادة الحيوية على كافة أحياء المدينة مع مطلع التسعينات، وتم ربط الإقليم بالشبكة الوطنية للكهرباء، ونفس الاهتمام لقيه قطاع السكن والاتصالات ومشاريع القرب .
وعلى مستوى القطاعات الإنتاجية، ورغم الظروف الطبيعية والمناخية القاسية التي يعرفها إقليم السمارة، فإن ذلك لم يحل دون المضي قدما في اتجاه تطوير قطاع تربية الماشية وتقديم المساعدات اللازمة للكسابة من خلال التأطير الصحي للماشية والإرشاد الفلاحي وتوفير الأعلاف المدعمة من طرف الدولة لفائدتهم.
أما قطاع الصناعة التقليدية، ونظرا لأهميته، باعتباره مجالا يترجم الخصوصية المحلية ويجسد مهارة الصانع التقليدي، فقد عرف تطورا نوعيا في بنياته التحتية وفي منتوجاته المختلفة التي أضحت رمزا لهذا الإقليم .
فقد اصبحت مدينة السمارة اليوم تستهدف استثمارا ذا انتاجية تستفيد من مؤهلات حقيقية في مجال الهندسة البيئية والسياحية المميزة والرفع من قيمة تربية المواشي، وكذا من البحوث والدراسات المتعلقة بالتاريخ والارث الديني والروحي .
و يتميز اقليم السمارة بكونه مدخل للتجارة والمبادلات، فلطالما كانت السمارة ملتقى للقوافل والطرق التجارية ونقطة عبور شمال جنوب وشرق غرب ، وهي اليوم تقدم انشطة خدماتية ذات كفاءة لا تضاهى على الصعيد الاقليمي.
ومن اجل تحقيق تنمية متوازنة وشاملة، أولت الدولة اهتماما خاصا للقطاعات ذات الطابع الاجتماعي، منها قطاع التربية الوطنية والصحة والتكوين المهني والشباب والرياضة علاوة على المشاريع المدرة للدخل التي كانت ثمرة تفعيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
ويعتبر التعليم والصحة والثقافة والسكن من اهم العناصر المتدخلة في اطار الحياة وجودتها داخل المدينة، وكذلك في إعادة التأهيل الحضري، فالسمارة يمكنها الحفاظ على توازن دائم بين الاصالة والمعاصرة، وبين الضرورة الحضرية والاندماج البيئي فبهذه الروح تخلق السمارة ظروفا سحرية حقيقية .