تستعد الحكومة الإسبانية لاعتماد قانون جديد يُنهي العمل بقانون أسرار الدولة المعتمد منذ سنة 1968، ويرفع السرية عن آلاف الوثائق الرسمية التي تعود إلى ما قبل عام 1982، من بينها ملفات شديدة الحساسية تتعلق بانسحاب إسبانيا من الصحراء المغربية وكواليس المسيرة الخضراء، وفق ما كشفته صحيفة El País الإسبانية في عددها الصادر قبل يومين.
القانون الجديد، الذي يُنتظر أن تصادق عليه حكومة بيدرو سانشيز قريباً، سيحدد سقفاً زمنياً للسرية لا يتجاوز 45 سنة، مع الاحتفاظ بالسرية فقط على الوثائق التي قد يشكل كشفها تهديداً مباشراً للأمن القومي.
و يُرتقب أن يشمل القرار آلاف الوثائق المرتبطة بمرحلة دقيقة من التاريخ الإسباني، خاصة خلال سنوات الانتقال الديمقراطي بعد وفاة فرانكو، وما رافقها من ارتباك سياسي و عسكري داخلي.
ويتجاوز طابع القرار البُعد الديمقراطي الداخلي، ليكتسي دلالات دبلوماسية كبرى على المستوى الإقليمي، خصوصاً في علاقته بالمغرب، الذي لطالما طالب بالكشف عن المواقف الرسمية الإسبانية المدونة بخصوص ملف الصحراء، وتفاصيل اتفاق مدريد الثلاثي لسنة 1975، وكذا مواقف الجيش الإسباني و الدور الأمريكي المحتمل في تلك المرحلة المفصلية.
من جانب آخر، كشف وزير رئاسة الحكومة، فيليكس بولانيوس، أن عملية رفع السرية ستكون تدريجية، نظراً للعدد الكبير من الوثائق، وستُمنح الأولوية للملفات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان.
و أكد أن عملية التصنيف والفهرسة وتحويل الوثائق إلى اللجنة المختصة ستكون معقدة على المستويين التقني واللوجستي.
في المقابل، عبر عدد من الباحثين والمؤرخين عن تخوفهم من احتمال ضياع أو تطهير أجزاء من الأرشيف خلال فترات سابقة، لا سيما ما أشار إليه الأستاذ نيكولاس سيسما بشأن إحراق آلاف الملفات الأمنية داخل وزارة الداخلية الإسبانية في بداية مرحلة الانتقال الديمقراطي، هذا الوضع جعل العديد من الباحثين يعتمدون على أرشيفات حكومات أجنبية لتوثيق مراسلات واجتماعات مع مسؤولين إسبان، في ظل تغييب متواصل للأرشيف الوطني، ما فاقم ما يوصف بـ”النسيان الاستراتيجي”، وأضعف الحق في الوصول إلى الحقيقة، خصوصاً في دول المغرب العربي.
الصحافة الوطنية بالمغرب بدورها تابعت هذا التحول باهتمام بالغ، على أمل أن تميط الوثائق الجديدة اللثام عن معطيات تاريخية طال انتظارها، قد تسهم في إعادة قراءة مرحلة مفصلية من تاريخ العلاقات المغربية الإسبانية، وتفتح الباب أمام قراءات جديدة للدور الخارجي في ملف الصحراء.
ورغم الترحيب بالقانون كمؤشر على تعزيز الشفافية، نبهت صحيفة El País إلى أن رفع السرية وحده لا يكفي، بل يجب أن يترافق مع تسهيل فعلي للولوج إلى الوثائق، عبر توفير أدوات فهرسة دقيقة، تُمكن الباحثين من معرفة المواد المتوفرة وطلبها، حتى لا يتحول الحق في المعلومة إلى مجرد شعار بلا مضمون.