دحمان ولد بيروك.. صوت الصحراء في زمن مقاومة الإستعمار

رئيس التحرير20 أغسطس 2025
دحمان ولد بيروك.. صوت الصحراء في زمن مقاومة الإستعمار

 

يُعتبر دحمان ولد بيروك من أبرز الشخصيات الصحراوية التي انخرطت في مسار المقاومة الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي والإسباني، خصوصاً خلال الخمسينيات من القرن العشرين. ولد في بيئة قبلية بالجنوب المغربي عُرفت تاريخياً بمواقفها الصلبة في الدفاع عن الأرض والكرامة، وقد تفتحت عيناه في زمن كانت فيه الصحراء المغربية مسرحاً لصراع مرير بين إرادة التحرر الوطني ومخططات القوى الاستعمارية الساعية إلى بسط نفوذها.

مع اندلاع العمليات الأولى لجيش التحرير المغربي سنة 1953، بعد نفي الملك محمد الخامس في 20 غشت من السنة نفسها، وجد دحمان بن بيروك نفسه أمام خيار واحد هو الانخراط في مسيرة الكفاح. وقد برز اسمه بشكل أوضح ابتداءً من سنة 1956، وهي السنة التي أعلن فيها المغرب استقلاله السياسي، لكنها لم تعنِ نهاية النضال بالنسبة للجنوب الذي ظل تحت السيطرة الإسبانية والفرنسية. في هذه المرحلة، لعب دحمان بن بيروك دوراً أساسياً في تعبئة أبناء القبائل الصحراوية للانضمام إلى صفوف جيش التحرير بالصحراء، الذي تأسس عملياً في نونبر 1956 من أجل استكمال معركة الاستقلال.

ساهم دحمان في معارك بارزة عرفتها المنطقة ما بين 1956 و1958، من بينها هجمات المقاومين على المراكز الاستعمارية في السمارة وطرفاية، وكذا المعارك التي دارت في أواخر 1957 ضد الحاميات الفرنسية قرب تندوف، حيث تمكن جيش التحرير بمشاركة أبناء القبائل الصحراوية من تكبيد العدو خسائر معتبرة، قُدرت بعشرات القتلى والجرحى في صفوف القوات الفرنسية.

كما كان من أبرز المساندين لمعركة «إيكوفيون» (عملية المكنسة) التي شنها التحالف الفرنسي-الإسباني في فبراير 1958 ضد مواقع جيش التحرير بالصحراء، وهي العملية التي شارك فيها حوالي 15 ألف جندي مدججين بالطائرات الحربية والمدرعات، مقابل بضع مئات من المقاومين الصحراويين الذين أبانوا عن بسالة استثنائية رغم اختلال موازين القوى.

لم يكن دحمان بن بيروك مجرد مقاتل في الصفوف الأمامية، بل كان أيضاً حلقة وصل اجتماعية وسياسية داخل البنية القبلية للجنوب، حيث اعتمد جيش التحرير على مكانته من أجل تأمين الدعم اللوجستيكي والبشري، سواء عبر حشد المتطوعين أو توفير المؤونة والإرشاد في تضاريس صعبة وامتدادات صحراوية شاسعة، وبذلك، أسهم في خلق حالة تعبئة عامة وسط قبائل المنطقة، مما أعطى للجنوب دوراً استراتيجياً في مسار استكمال استقلال المغرب.

لقد ظلت بصمات دحمان بن بيروك حاضرة في الذاكرة الجماعية للجنوب المغربي، باعتباره واحداً من رجال جيش التحرير الذين واصلوا النضال حتى بعد الاستقلال الشكلي لسنة 1956، مجسدين بذلك المعنى الحقيقي للوطنية والوحدة الترابية. ورغم قلة الوثائق التي تحفظ تفاصيل سيرته، فإن المؤكد أن تضحياته ما بين 1956 و1958 كانت جزءاً من الملحمة الوطنية الكبرى التي مهّدت لتحرير طرفاية سنة 1958 والسمارة لاحقاً، وصولاً إلى استرجاع الساقية الحمراء ووادي الذهب.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *