في الوقت الذي كانت أنظار الدولة المغربية ومختلف مؤسساتها الوطنية ومعها المنتظم الدولي والأممي، متجهة إلى منطقة الصحراء، تطفو فجأة على السطح مؤسسة شيوخ القبائل إثر مشادات كلامية حادة نشبت خلال مأدبة غذاء رسمية بمقر ولاية العيون يوم الخميس الماضي، بين أحد شيوخ القبائل الصحراوية ومنتخب على خلفية معاملة تجارية جمعت بين الطرفين بخصوص بقعة أرضية تقول مصادر جد مؤكدة أن المنتخب قد إمتنع عن تسليمها منذ سنة 2014 بالرغم من أداء الضحية وتسديده المبلغ المالي المتفق عليه بينهما.
المصادر ذاتها، تقول أن فضيحة هذه المعاملة التجارية، ثابتة لا غبار عليها، ولها شهود أحياء يرزقون كما أنهم محايدون وممكن الرجوع إليهم وأخذ أقوالهم بالصوت والصورة في الخطوة المقبلة…مضيفة المصادر أن المنتخب ظل عن قصد أو غير قصد ربما، يستغل مرور الوقت وطيبوبة الضحية ومحاولاته لأكثر من عقد من الزمن الاستفسار بدون إجابة حول سبب تأخير تسليمه البقعة محل الخلاف إلى غاية الخميس الماضي حيث تقدم الضحية حسب المعتاد بطرح نفس السؤال على المنتخب المعني الذي إكتفى بالتشنج ولفظ أنت “تكيذب”.. قائلا إياها بطريقة مهينة وعدوانية لم يكن الضحية يتوقع صدورها ولم يألفها منه بالسنوات الماضي..مع العلم أن هذا المنتخب للمفارقة غير ممتن لأحد بانتخابات سنة 2009 بقدر “إمتنانه” الكبير والعميق لوالد الشيخ نفسه (عبد الله ولد أباي) الذي كان مشرفا قيد حياته كما يعلم الجميع على تفاصيل العملية الانتخابية باعتباره ممثل السلطة بتلك الجماعة المحاذية للعيون والمعروفة بعظمة شهدائها ومختلف إنتماءاتهم القبلية.
ولأن العنف اللفظي لا يتولد عنه بالضرورة إلا عنف لفظي أخر،،.فقد تصاعدت برواية شهود العيان حدة المشادات الكلامية بين الطرفين، نتج عنها فورا تدخل هائج لأحد مقربي المنتخب الذي إنقض جسديا على الضحية من الخلف، بنية إلحاق الضرر، وبالفعل، لولا اللطف اللإلهي والمؤازرة التلقائية من طرف شيخ أخر من أقارب الضحية الذي حال بينه معهما، بنية الدفاع وردع التهجم، لكانت الأمور وصلت إلى منعطفات خطيرة كادت تنسف الإحتفالية بمقر ولاية العيون، وتتحول خلالها مأدبة الغذاء إلى حلبة للإشتباك بالأيادي والصحون ليس بين أفراد قبائل طرفي النزاع حول البقعة لا لا أبدا…وإنما على الأرجح، من يدري، بين أفراد وممثلي مؤسستين وطنيتين كان ولا يزال المغرب يرى فيهما المرتكز الأهم في ترسيخ مغربية الصحراء وأحد أليات إنجاح الحكم الذاتي..إنهما مؤسستا الشيوخ والمنتخبين.
وهنا دعونا نتكلم بكل صراحة ووضوح، في نقاش مباشر ومفتوح، ضد هذا الانتقاد الذي طال مؤسسة الشيوخ، مع وجوب الانتباه إلى أن الطعن في رمزيتها أو التبخيس منها يحيلنا إلى الطعن في السيادة المغربية على الصحراء التي يعتبر الشيوخ أنفسهم من تجلياتها، لما يمثلونه من عمق العلاقة مع إمارة المؤمنين وروابط البيعة بين قبائل الصحراء وعرش المملكة المغربية، ولعله الأمر الذي يكرسونه اليوم على قلة إمكانياتهم وعلى قدر مستطاع أفراد هذه المؤسسة القبلية الذين حباهم الله بأنهم ورثو المشيخة عن أبائهم وأجدادهم كواقع لا تستطيع أي قوة إستبداله إلا الموت، بعكس المنتخبين الذين قد تأتي وتذهب بهم رياح التغيير وكذا صناديق الإقتراع بأي إستحقاقات.
وذلك في إطار الاختيار الديمقراطي كأحد ثوابت دستور 2011، ومضامينه التي تفرض على “المنتخب” حضريا كان أم قرويا، أن يكون في مستوى الكفاءة والمسؤولية باعتباره القدوة الأجدر بالتأطير والتكوين بصفته ممثلا لأفراد شرائح المجتمع والمواطنة بمفهومها الواسع، وأيضا مبلورا للسياسات العمومية للدولة، بخلاف “الشيخ” المطالب فقط بضبط وحل مشاكل قبيلته، في إطار ضييق من خلال لعب دور الوساطة كل عشر سنوات بين الأفراد المحسوبين عليه وبين العمال المتواجدين بنفوذ الأقاليم الصحراوية الخمسة القاطنين بها بدون إغفال أن وجاهة مؤسسة الشيوخ لا يعتد بها أصلا إلا من طرف وزارة الداخلية نسبيا مقارنة بباقي القطاعات المؤسساتية للدولة.
وهذا ما يعكس ضعف تدخلات مؤسسة الشيوخ وتمثلاتها الرمزية..عكس المنتخب بقوته الاقتراحية من خلال التنسيق بين الجماعات والوزارات والادارات الترابية، وغير ذلك مما يلزمه القرب من المواطنين وإمتصاص غضب الشارع، والاستباقية في إيجاد حلول للمشاكل وليس إثاراتها كما حدث بمقر الولاية الذي مهما إختلفنا في تقييمه..فإننا سنتفق قطعا على إلقاء اللوم بكل أسف على عاتق هذا المنتخب قبل أن نلوم الشيخ..الذي يعتبر أولا وأخيرا مواطنا عليه واجبات وله حقوق مفروض عدم هضمها طبقا للقانون..، وليس الشيخ كالمنتخب، فالشيخ أي شيخ توجد من وراءه قبيلة قد ترى في إهانته من إهانتها وتقديره من تقديرها..والشيخ له إعتبار كذلك من أبرز إنعكاساته هو الإستدعاء إلى مأدبة الغذاء بمقر الولاية بمناسبة الاحتفالات المخلدة لذكرى المسيرة الخضراء المظفرة.
وهي المناسبة التي نظمت في سياق زمكاني معلوم، في خضم الانتصار الذي حققه المغرب بعد صدور قرار مجلس الأمن حول الصحراء الذي عملت ولاية العيون على تثمينه من خلال المأدبة الرسمية ودعوتها الشيوخ والمنتخبين والأعيان، بحضور وزراء حكوميين وضمن لحظة تاريخية هامة تتحسس وتحاكي تنزيل الحكم الذاتي بالصحراء، لحظة كادت أن تنقلب إلى كارثة حقيقية وحده المنتخب المعني من كان سيتحمل كلفتها السياسية الباهضة لما قد يكون لها من إنعكاسات لن تكون متصلة بمراقبة المينورسو وتقاريرها فحسب، نظرا لمكان الواقعة.،وإنما لإمكانية تأثيرها على الصورة ككل المتعلقة بجهود المغرب في إشعاع مغربية الصحراء وتنميتها بأفق تنزيل الحكم الذاتي الذي ستكون “لمجلس” شيوخ القبائل خلاله الكلمة العليا والمسموعة موازاة مع بقية المجالس المنتخبة الأخرى.



































