ملاحظة : كل ما جاء في هذا المقال ليس من الضروري أن يعكس وجهة نظر «هنا الصحراء» التحريرية.
تكتسي دراسة واقع النخبة في أي مجتمع أهمية كبرى، باعتبارها مدخلا لفهم جوانب من السلطة السياسية داخل الدولة . ففي كل مجتمع هناك قلة محدودة حاكمة تحتكر أهم مفاصل السلطة و النفوذ و تستحوذ على كل مفاتيح تسيير الشأن المحلي، وهو مايمكنها من كل السلط على مستوى اتخاذ القرار و التأثير في صياغته في مايخدم مصالحها .
كل هذه العوامل خلقت نخبة سخرت ( بضم السين) لها إمكانيات الاضطلاع بأدوار رئيسية في مختلف مجالات التدبير و اتخاذ القرار. و يكتسي طرح إشكالية النخب في الصحراء المغربية خلال هذه المرحلة أهمية كبرى بالنظر لمظاهر التحول الذي تعرفه المنطقة و المسؤوليات التي يفترض أن تتحملها . فهي تظل أقلية و نتاج لإفرازات تاريخية، امتزجت ما بين العامل القبلي و المالي و السلطة ، كما توفرت لها إمكانيات الفعل و القدرة على التأثير و التحكم في كل مناحي الاقتصاد و التدبير السياسي للمنطقة و في أغلب الأحيان مستعملة آليات الدولة و المال العام ضاربة سياسة التشاركية و تكافؤ الفرص عرض الحائط ،. وقد استعملت هذه النخب إستراتيجية جمعت ما بين الفكر التقليدي و علاقته بالقبيلة من اجل صنع خريطة سياسية للمنطقة، ترتكز على مبدأ الاستمرارية و التوريث و تكريس نفس العائلات كنخب وحيدة على الساحة مما قد يشكل خطرا كبيرا على السلم الاجتماعي على المدى البعيد ، لأنه يخلق دولة داخل الدولة و يقسم المجتمع لمتحكمين في مجتمع بموارد الدولة و شبه رعايا لهم، في وطن يفترض ان يكون الجميع به رعايا لعاهل البلاد وحده الذي تربطهم به بيعة وولاء .
كل هذا يجعلنا أمام إشكالية محورية تتجلى في ابراز الفرق بين النخبة التي صنعها التاريخ من خلال علاقتها بسلاطين المغرب والدفاع عن حياض المملكة قبل المسيرة الخضراء وبين هؤلاء الذين افرزتهم في سياقات معينة بعد المسيرة الخضراء.
إن دراسة النخب في الصحراء تقتضي اﻹسهام في فهم وتفسير ميكانيزمات السلطة السياسية داخل جهات الصحراء ، فنجد فئة محدودة تحتكر كل المراكز السياسية واﻹقتصادية ، و تسعى لاحتكار هذه الوضعية بصفتها ظاهرة مركبة بأبعاد سوسيوسياسية و سوسيواقتصادية. اضافة لتجدر القبلية واستعمالها كورقة للضغط و الابتزاز تارة و لخلق مشاكل و التسويق بأن هذه النخب هي الوحيدة التي تملك مفاتيح اخماد تبعاتها ، بل يتعدى الامر كل هذا الى خلق انشقاقات داخل النسيج القبلي الصحراوي يستفيدون منه .
هذه الطبقة السياسيةالتي خلقت على حساب طبقات أخرى داخل التركيبة الصحراوية، استفادت من كل هذه الأجواء ، وكان الرهان عليها أن تكون سندا لامتصاص بعض الأزمات بصفتها آلية من آليات الوساطة ، لكن العكس هو ما حصل لأنها أصبحت سببا في خلق المشاكل بدلا من ان تكون سببا في حلحلتها ، خصوصا انها لم تكن يوما سندا للدولة يعتمد عليه،وبالذات في ما يتعلق بقضية الصحراء المغربية . والأمثلة على ذلك كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر قضية «اكديم إيزيك »، بحيث ابتعدت النخبة المذكورة ومارست دور المتفرج، وتركت الدولة في مواجهة مباشرة مع الأزمة التي نتجت عنها العديد من الآثار الجانبية التي دفعت فيها الدولة ثمنا باهضا.
في ظل التطورات السياسية و الاقتصادية يظهر فساد النخب السياسية في الصحراء بشكل واضح من خلال استغلال السلطة و موارد الدولة لتحقيق مكاسب شخصية و الإثراء الغير مشروع و محاربة كل المنافسين الاقتصاديين والسياسيين ،ينضاف إلى ذلك غياب آليات فعالة لمراقبة تجبر سلطتهم و مكافحة فسادهم و هذا راجع لغياب الشفافية و الحكامة الجيدة ولتضارب المصالح مما يتيح لهم تجاوز القوانين و التلاعب بالنظام لتحقيق مصالحهم في الاستحواذ على كل مناحي الحياة بالصحراء.
كما لها أهداف تتميز بولائها للمصالح و الامتيازات لا للوطن، و هذا يعزى أساسا لافتقارها للمرجعية التاريخية في الوطنية والولاء لدولة امير المومنين ، ناهيك عن ضعف التكوين و الجهل بتاريخ المملكة التليد وهو مايجعلها تقصي كل من لهم ولعائلاتهم خلفية وطنية واضحة لان الماضي القريب يذكرهم بتاريخهم و انخراطهم مع المشروع الاستعماري حتى آخر لحظة.
في المقابل هناك نخبة سياسية افرزها التاريخ و كانت دوما على صلة بسلاطين المملكة من خلال البيعات و الظهائر الشريفة إضافة إلى دورها الكبير في معارك التحرير ضد الإستعمار ، لكنها اليوم تتعرض لحرب شرسة من نخبة الفساد التي لا تملك تاريخا وطنيا يشفع لها ماتحصلت عليه و ماتمنعه عن الوطنيين بل و تستعمل ضدهم آليات الدولة و مواردها وهو الخطير في الامر أذ تسوق للعامة ان الدولة منخرطة في حرب من كانوا مع المشروع الإسباني حتى الامس القريب ضد الذين كانوا وطنيين منذ الازل.
وتاريخيا نجد الفاعلين في الصحراء الذين ساهموا في تدبير المجال السياسي و الاقتصادي و الشأن الديني هم من شاركوا في تحرير الوطن ، حيث كانوا بمثابة زعامات تاريخية وجهادية في مواجهة الاستعمار و حيث أخذوا على عاتقهم أهداف متعددة الأدوار والغايات في سبيل ترسيخ مغربية الصحراء و الصحراويين.
وتعد بيعة أمير المؤمنين، أصلا رابطا لتلاحم هذه النخبة بالعرش العلوي منذ الازل . وقد.كان لسلاطين المغرب المتعاقبين دور كبير في تقويتها والدفع بها نحو تبوء المكانة اللائقة والمنزلة الرفيعة في بنيان المجتمع، مما أضفى عليها شرعية القبول إضافة لالتزامها بدورها في الاعمال الخيرية و تقديم العون للساكنة و سياسة القرب و فض النزاعات وخلق فرص الشغل كل هذا زاد من حسن سمعتها و ذياع صيت سيرتها و قبولها و احتضانها من قبل الساكنة . ولعل تجليات الترابط العضوي بين هذه النخبة والمخزن كثيرة ومن بينها مشاركة عائلات كبيرة و تاريخية في معارك جيش التحرير استجابة للرسالة الملكية للمغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه و هو فعلا ما سجله التاريخ من خلال دعم شركة الكبانية للمقاومين في جيش التحرير ضد الاستعمار بزعامة نخبة سياسية وطنية صحراوية يتقدمهم والدنا المرحوم سي حماد الدرهم و رفاقه في درب الكفاح شقيقه فيضول الدرهم و بوعيدة و الرزمة و المدني. وكان انخراط الشركة في جيش التحرير تمويلا و مشاركة و عملا استخباراتيا لفائدة الوطن ، و نقلا للاسلحة و المعلومات للمقاومين و تهريبا للمطلوبين لاسبانيا و لعل تعيين احد اعضاء الشركة عاملا على طرفاية مباشرة بعد استعادتها كان رسالة واضحة من المغرب لاسبانيا عن خلفية الشركة و اصحابها النضالية وعن كونها كانت واجهة اقتصادية فقط لعمل نضالي لا يقدر بثمن.
إضافة إلى ذلك تتجسد هذه الرؤية كذلك من خلال مد العون المادي والمعنوي لبناء زاوية أهل الشيخ ماء العينين في السمارة على يد السلطان الحسن الأول و التعيينات التي شملت أبناء الصحراء على يد الراحل محمد الخامس في تدبير الشؤون الإدارية و نذكر منهم لا الحصر القائد دحمان و القائد الخرشي و الشيخ الحاج الحسين بن حمدي و القائد بوزيد الرباني. تم مبايعة خطري ولد الجماني في أكادير للملك الراحل الحسن الثاني في مارس 1975 ومبايعة ساكنة وادي الذهب 1979 وصل الأمر إلى توشيح أفرادها و زعماتها القبلية بظهائر ملكية وأوسمة تعبيرا عن الرضا والتفاني في خدمة وحدة الوطن والارتباط التام مع العرش العلوي المجيد.
إن ما نتعرض له اليوم من مؤامرة و حرب بشتى الطرق هو خير دليل على ذلك، لكن نقول لهم هونوا على انفسكم لأننا نؤمن بأنه ما ضاع حق وراءه مطالب، واتحدى كل هؤلاء بأن يثبتوا عكس ما طرحته في هذا المقال مصداقا لقولة تعالى آتوا برهانكم أن كنتم صادقين
ختاما يمكن استنتاج أن الفرق بين النخبتين السياسيتين بالصحراء يكمن في طبيعة الولاء للوطن و لمقدسات هذا الوطن الغالي ، لأن الولاء والإخلاص للمصالح و الغايات الشخصية ينتهي بانتهاء الغاية التي على أساسها ارتكزت بينما الولاء والإخلاص للوطن يبقى ولا يزول مهما اختلفت او تغيرت او حتى انعدمت المصالح بين الطرفين.
كما يفرض على الدولة تكريم من كانوا دوما إلى جنبها بدلا من أن تجازي من كانوا منخرطين في المشروع الاسباني ضد الوطن الى غاية اتفاقية مدريد.
و من هذا المنطلق انادي بتحيين تاريخ المملكة الشريفة عامة و تاريخ الصحراء المغربية بصفة خاصة لأن التاريخ هو السلاح الوحيد لإنهاء هذا النزاع المفتعل و الحل الأنسب للترافع عن قضايانا العادلة.
[20:01، 2024/6/2] M.A.D: و القائد الخرشي و الشيخ الحاج الحسين بن حمدي و القائد بوزيد الرباني. تم مبايعة خطري ولد الجماني في أكادير للملك الراحل الحسن الثاني في مارس 1975 ومبايعة ساكنة وادي الذهب 1979 وصل الأمر إلى توشيح أفرادها و زعماتها القبلية بظهائر ملكية وأوسمة تعبيرا عن الرضا والتفاني في خدمة وحدة الوطن والارتباط التام مع العرش العلوي المجيد.
إن ما نتعرض له اليوم من مؤامرة و حرب بشتى الطرق هو خير دليل على ذلك، لكن نقول لهم هونوا على انفسكم لأننا نؤمن بأنه ما ضاع حق وراءه مطالب، واتحدى كل هؤلاء بأن يثبتوا عكس ما طرحته في هذا المقال مصداقا لقولة تعالى آتوا برهانكم أن كنتم صادقين
ختاما يمكن استنتاج أن الفرق بين النخبتين السياسيتين بالصحراء يكمن في طبيعة الولاء للوطن و لمقدسات هذا الوطن الغالي ، لأن الولاء والإخلاص للمصالح و الغايات الشخصية ينتهي بانتهاء الغاية التي على أساسها ارتكزت بينما الولاء والإخلاص للوطن يبقى ولا يزول مهما اختلفت او تغيرت او حتى انعدمت المصالح بين الطرفين.
كما يفرض على الدولة تكريم من كانوا دوما إلى جنبها بدلا من أن تجازي من كانوا منخرطين في المشروع الاسباني ضد الوطن الى غاية اتفاقية مدريد.
و من هذا المنطلق انادي بتحيين تاريخ المملكة الشريفة عامة و تاريخ الصحراء المغربية بصفة خاصة لأن التاريخ هو السلاح الوحيد لإنهاء هذا النزاع المفتعل و الحل الأنسب للترافع عن قضايانا العادلة.