تلفزة العيون الجهوية : حين يغيب القائد…تتعطل الرسالة

تلفزة العيون الجهوية : حين يغيب القائد…تتعطل الرسالة
عبدالقادر بريهما

 

د.عبدالقادر الحافظ بريهما

 

تلفزة العيون الجهوية، باعتبارها أول تجربة إعلامية عمومية بالصحراء المغربية، شكلت منذ انطلاقها صلة وصل بين الساكنة المحلية وباقي ربوع المملكة، وتسويق التراث والثقافة الحسانية وواجهة للدفاع عن القضية الوطنية في المحافل الإقليمية والدولية. فقد عملت القناة، على نقل صورة واقعية عن الأقاليم الجنوبية، والتركيز على الخصوصيات الثقافية والاجتماعية التي تزخر بها المنطقة، وعلى رأسها المكون الصحراوي والثقافية الحسانية، في محاولة جادة لتعزيز الهوية الوطنية في بعدها التعددي.

ورغم هذا الحضور التاريخي، باتت القناة تعاني اليوم من نوع من “الركود” في محتواها، حيث يطغى على برامجها طابع الروتين والرتابة، مع غياب واضح للإبداع والتشويق، الأمر الذي انعكس على نسبة المتابعة والتفاعل مع ما تبثه. فرغم توفرها على إمكانيات تقنية وبشرية مهمة، تظل البرمجة ضعيفة مقارنة بحجم الانتظارات، إذ يقتصر أغلب المتابعين، خصوصًا من دول الجوار كموريتانيا وإسبانيا وجنوب الجزائر، على متابعة نشرات الوفيات وبعض البرامج التراثية وبعض البرامج الأخرى التي لم تواكب التطور المهني والتقني المطلوب في العصر الرقمي.

وتجدر الإشارة إلى أن خلف هذا الأداء الضعيف، مجهودات كبيرة تُبذل من طرف الإداريين والصحفيين والتقنيين العاملين داخل القناة، الذين يشتغلون في ظروف صعبة، في غياب تأطير إداري فعّال بعد وفاة المدير السابق المرحوم محمد الأغظف الداه ، الذي ترك بصمته على هوية المؤسسة الإعلامية وساهم في وضع لبناتها الأولى. هذا الغياب دون تعويض رسمي خلف فراغًا قياديًا يؤثر بشكل مباشر على سير العمل وعلى مردودية القناة وفعاليتها ومصداقيتها.

من جهة أخرى، لا بد من الإشارة إلى أن تلفزة العيون الجهوية تستفيد من ميزانية مهمة يفترض أن تنعكس على مستوى الإنتاج والابتكار، غير أن غياب استراتيجية واضحة لتدبير هذه الموارد، إضافة إلى عدم استثمار الكفاءات المتوفرة داخل القناة بشكل فعال، يجعل الهوة تتسع بين الإمكانيات المتاحة والنتائج الفعلية على مستوى الإنتاج الإعلامي. كما أن عددًا من الموظفين لا يظهر لهم أثر ملموس في برامج القناة، ما يطرح تساؤلات حول حسن توظيف الموارد البشرية.

في ظل التحديات الاعلامية الراهنة والمنافسة الرقمية مع التطور التكنولوجي الكبير، يُنتظر من القناة أن تلعب دورًا تعبويًا أكثر نجاعة، خصوصًا في دعم مشروع الحكم الذاتي والترافع الإعلامي الجهوي، داخل المغرب وخارجه. ويتطلب ذلك ليس فقط تحسين جودة البرامج، بل أيضًا الانفتاح وطنيا وإقليميا، من خلال تأهيل المكاتب الجهوية وتطوير شبكة المراسلين، بل حتى التفكير في خلق فضاءات تواصلية من خلال شراكات مع القنوات الإقليمية لدول الجوار التي تتابع القناة بكثافة، مما يعزز حضور القناة التلفزية خارجيا.

من الضروري اليوم أن يُعاد النظر في هيكلة إدارة تلفزة العيون الجهوية عبر تعيين مسؤول جديد من طراز رفيع، يمتلك الكفاءة والخبرة والرؤية والحنكة الإدارية، وقادر على قيادة مرحلة التجديد والإبداع داخل المؤسسة. إنّ ترك هذا المنصب شاغرًا كل هذه المدة، رغم حساسيته، يثير الكثير من التساؤلات، خاصة في سياق وطني يتطلب تعبئة شاملة إعلامية ومجتمعية. وإعادة النهوض بتلفزة العيون الجهوية يتطلب قرارات جريئة، واستحضارًا لموقعها الاستراتيجي في منظومة الإعلام الوطني الموجه نحو الدفاع عن المصالح العليا للوطن.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *