الكولونيل الديش..سيرة بطل صحراوي نقش اسمه في ذاكرة المغرب العسكرية

رئيس التحرير16 نوفمبر 2025
الكولونيل الديش..سيرة بطل صحراوي نقش اسمه في ذاكرة المغرب العسكرية

 

يُعد الكولونيل ماجور الديش ولد امحيميد—واسمه الكامل الديش ولد محمود ولد بابا أحمد ولد سيدي يوسف—أحد أبرز رجالات قبيلة ازركيين أهل سيدي يوسف، وإحدى الشخصيات الوطنية التي تركت بصمتها العميقة في تاريخ المقاومة والصحراء المغربية. وُلد سنة 1922 بمدينة العيون، وتلقى تعليمه في الديار الإسبانية ضمن أول فوج من الطلبة الصحراويين الذين تابعوا دراستهم خارج المنطقة، قبل أن يعود وينخرط في مسار نضالي طويل ومتواصل.

مقاوم داخل صفوف الجيش الإسباني
بدأ الراحل مساره العسكري في القوات الإسبانية ابتداءً من 28 يوليوز 1946، لكنه استغل موقعه داخل المؤسسة الاستعمارية لخدمة أهداف جيش التحرير، حيث كان يمد المقاومين بالمعلومات ويؤمّن التنسيق بين خلايا المقاومة بين الشمال والجنوب. وبعد كشف نشاطه من طرف السلطات الإسبانية، اعتُقل وسُجن لمدة خمس سنوات ابتداءً من سنة 1958، في واحدة من المحطات التي رسّخت صورته كأحد أبرز وجوه المقاومة السرية في الصحراء.

مسار عسكري متألق داخل القوات المسلحة الملكية
عقب جلاء الاستعمار الإسباني سنة 1975، عُيّن بظهير ملكي ضابطًا في القوات المسلحة الملكية، قبل أن يتم نقله إلى صفوف الدرك الملكي حيث تدرّج بسرعة بفضل كفاءته وانضباطه. ترقى إلى رتبة نقيب، ثم رائد سنة 1986، قبل أن يُرقّى إلى رتبة كولونيل سنة 1991. وفي يوم 5 أكتوبر 2005 بمدينة كلميم، استدعاه الملك محمد السادس ومنحه رتبة كولونيل ماجور، ليصبح أول ضابط صحراوي يصل إلى هذه الرتبة الرفيعة داخل جهاز الدرك الملكي.

قائد ميداني… ورمز للثبات والانضباط
شارك المرحوم الديش في أغلب المعارك قبل وقف إطلاق النار سنة 1991، وقاد مواجهات حاسمة أبرزها معركة واد النص، كما رابط في محاور استراتيجية مثل كلتة زمور، أم دريكة، السمارة ولمسايل. وكان من أعمدة تأمين الحدود خلال سنوات الحرب، ومن بين الضباط المعول عليهم في إدارة العمليات العسكرية الحساسة.

ولم يقتصر دوره على الجبهة، بل ساهم بشكل كبير في هيكلة وتطوير جهاز الدرك الملكي بالجهات الجنوبية الثلاث، حيث عُرف بقربه من المواطنين والدركيين، واستماعه لهمومهم، واعتماده أسلوبًا ميدانيًا في العمل بعيدًا عن المكاتب. وقد حظي باحترام واسع داخل الدوائر العسكرية والسياسية العليا، بالنظر إلى حنكته واستقامته وقدرته على حلّ أصعب الملفات بذكاء ومسؤولية.

شخصية متعددة المواهب
إلى جانب مساره العسكري، كان الديش ولد امحيميد رياضيًا بارزًا في شبابه، ولعب في عدة أندية إسبانية، أبرزها فريق كارتخينا ونادي إسبانيول برشلونة، وهو ما يعكس شخصية منفتحة متعددة الاهتمامات، جمعت بين الانضباط العسكري والروح الرياضية.

رحيل بطل لن يُنسى
ظلّ الراحل وفيًا لثوابت الوطن، يجسد قيم الشجاعة والتوافق وخدمة المصلحة العامة، إلى أن وافته المنية يوم 7 يوليوز 2007، بعد مسار طويل من العطاء والمواقف الوطنية الثابتة. وقد ترك إرثًا كبيرًا داخل قبيلته، وفي ذاكرة الدرك الملكي، وفي سجل رجال المقاومة الذين لم يترددوا في التضحية من أجل الوطن.

رحم الله الكولونيل ماجور الديش ولد امحيميد، ورحم الله جميع شهداء الوطن وقدماء المحاربين الذين لا يزال الكثير منهم يعاني التهميش رغم ما قدموه من تضحيات جسام.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *