يطرح مقترح مشروع القانون المعروض على البرلمان الإسباني، و القاضي بمنح الجنسية الإسبانية للأشخاص من أصول صحراوية، إشكالات قانونية و سياسية معقدة تتجاوز البعد الإنساني و التاريخي الذي يستند إليه مقدموه، لتلامس بشكل مباشر موقع إسبانيا في نزاع إقليمي لم يُحسم بعد.
فالجنسية، في القانون الإسباني، لا تمثل مجرد رابطة قانونية شكلية، بل تُرتب التزامات دستورية واضحة، في مقدمتها واجب الدولة في حماية مواطنيها و ضمان أمنهم و سلامتهم داخل التراب الوطني و خارجه.
و يكرس دستور 1978 هذا المبدأ من خلال ضمان الحق في الحياة و الأمن و السلامة الجسدية لجميع المواطنين الإسبان، دون تمييز على أساس مكان الإقامة أو الأصل.
كما يعزز قانون العمل و الخدمة الخارجية للدولة الإسبانية رقم 2 لسنة 2014 هذا الالتزام، إذ ينص صراحة على مسؤولية الدولة في حماية مواطنيها المقيمين في الخارج، خاصة في حالات النزاعات المسلحة و الأزمات الأمنية، عبر الوسائل الدبلوماسية و القنصلية، بما في ذلك التدخل السياسي، و المساعدة القانونية، وإجراءات الإجلاء عند الاقتضاء، و بناء على ذلك، فإن توسيع دائرة المواطنين الإسبان لتشمل عددا كبيراً من الصحراويين المقيمين في منطقة تشهد توترا سياسيا و أمنيا، يعني عملياً تحميل مدريد مسؤولية قانونية مباشرة في فضاء جغرافي خارج سيادتها.
و تزداد تعقيدات هذا الالتزام بالنظر إلى الوضع القانوني للصحراء في القانون الدولي، حيث تصنفها الأمم المتحدة كإقليم غير متمتع بالحكم الذاتي، يخضع لمسار تسوية سياسية ترعاه المنظمة الأممية، و في هذا السياق، قد يُفهم أي التزام إسباني بحماية مواطنين يحملون جنسيتها داخل الإقليم، الذي تديره المملكة المغربية فعلياً، على أنه انخراط غير مباشر في النزاع، أو تشكيك في الوضع القائم، بما قد يتعارض مع مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة.
و رغم أن المدافعين عن المشروع يقدمونه باعتباره استجابة لمسؤولية تاريخية تعود إلى المرحلة الاستعمارية الإسبانية، فإن السياق الجيوسياسي الراهن يفرض مقاربة مختلفة، فالعلاقات المغربية–الإسبانية تقوم اليوم على شراكة استراتيجية تشمل ملفات حيوية، مثل مكافحة الإرهاب و الهجرة غير النظامية و التعاون الاقتصادي و الطاقة، و أي خطوة تشريعية قد تُفسر سياسياً على أنها إعادة تموضع إسباني في النزاع، ستكون لها انعكاسات مباشرة على هذه الشراكة، و على موقع مدريد داخل الاتحاد الأوروبي.
و لا تقف تداعيات المشروع عند حدود العلاقة الثنائية مع المغرب، بل قد تمتد إلى إعادة طرح مسؤوليات القوى الاستعمارية السابقة في نزاعات ما بعد الاستعمار، و فتح الباب أمام مطالب مماثلة في دول أوروبية أخرى، فضلا عن تعقيد مسار التسوية الأممية بإدخال التزامات قانونية جديدة لدول ليست طرفا مباشرا في النزاع، و هو ما يجعل المقترح، في جوهره، قراراً ذا أبعاد استراتيجية عميقة، و ليس مجرد مبادرة إنسانية أو إجراء تصحيحي مرتبط بالذاكرة التاريخية.
وخلاصة القول، فإن إقرار منح الجنسية الإسبانية للصحراويين، إذا ما تم، سيحول إسبانيا من فاعل داعم لمسار أممي حذر ومتوازن، إلى دولة مُقيدة قانونياً بحماية مواطنين في منطقة نزاع مفتوح، مع ما يستتبعه ذلك من أعباء قانونية و دبلوماسية قد تتجاوز قدرتها على التدبير السياسي، و بين منطق الواجب الدستوري، و الاعتبار التاريخي، و متطلبات الواقعية الجيوسياسية، يظل السؤال المركزي مطروحا : هل تملك إسبانيا هامش المناورة الكافي لتحمل كلفة قرار يعيدها فعليا إلى قلب نزاع كانت قد أعلنت، منذ عقود، خروجها الرسمي منه؟
هنا الصحراء : هند الدليمي


































