
سئلت امرأة مثقفة اختبرت الولادة عن وصف دقيق لهذه العملية، فقالت بأن الوضع أشبه بخروج تفاحة من إحدى فتحات الأنف، ويقال أن المذيع السائل من دقة التشبيه كاد أن يغشى عليه،.. عذاب الولادة، وإن لم اختبره بعد ولا أظن لدي الشجاعة لذلك، هو ثاني عذاب بعد عذاب الحرق حيا، فعلى الأقل وفروا للنساء مكانا مجهزا ونقيا واسمحوا لهن بالتركيز على ما بهن من آلام وحده الله عالم بها.
لا نطالب بكراسي متحركة تستقبلنا بها الممرضات المهندمات الطيبات في باب الاستقبال، ولا نمني النفس بأن يهرعن إلينا هن والأطباء المناوبون كملائكة الرحمة ويسألوننا عن أسمائنا بحنو، ويطلبوا منا أن نبقى متيقظات ويلقننا طريقة التنفس وهم ينقلوننا من على الكرسي المتحرك إلى المحفة الطبية، ثم يعدون بنا بكل حرص و إنسانية صوب قاعة الولادة البيضاء النقية، حيث إلى جانب كل سرير أجهزة لقياس العمليات الحيوية بالجسم والكثير من العطف والأمان،.. أستغفر الله العظيم!.
لطالما سمعنا من الناجيات أهوالا كفيلة باستئصال الرغبة في الاقتراب من الجنس الآخر، لكننا كنا نعذر الأطراف الأخرى في الحكاية، فليس من السهل أن تكون نائما في أمان الله وفجأة يوقظك أقارب امرأة على وشك الولادة من أحلى لقطة في المنام، لتفحص جزءا من الجسم غير شاعري على الإطلاق، لكن العلي القدير وضع الحمل هناك وليس بيدنا تغييره أو تحويله، وذلك عملك وموضوع دراستك وشهادتك.. الله غالب.
تفهمنا طوال عقود سوء المزاج والعصبية مع من تتعذب بتقلصات رهيبة وتحرك عظام الحوض ومحاولة خروج كتلة بشرية من فتحة ضيقة، وعذرنا انعدام الصبر وانتظار وصول الرحم لحجم معين باعتماد “الغراز” كأمر مسلم به، وساءنا ما كان يروى منذ عقود عن ترك الحوامل وأرجلهن مشرعة ومن حين لآخر تتقدم ممرضة أو متدرب ليلقي نظرة على رحمها ثم يرحل..لكنها 2025.
لنجعل من قسم الولادة مكانا يطمئن الخائفات، فقدنا الكثيرات وأغلبهن معدمات لم يعشن بعد حتى يمتن تلك الميتة المؤلمة، لتكن قاعات الولادة مجهزة ماديا وبشريا، فأثناء تلك العملية ينقطع النفس، يرتفع الضغط أو ينخفض، تتسارع دقات القلب أو تتباطئ، ليكن بالمشفى من يمكنهم انعاش الحامل، إعادة ضبط المعدلات الحيوية.
وبعد الولادة ضعوا المرأة على سرير وأوصلوا جسدها بأسلاك وخراطيم الآلات التي تقيس الضغط، النفس، دقات القلب… هذه أبسط الحقوق.
لا مكان يغني عن المستشفى العمومي، فكم من امرأة فرت من قدرها، وعندما جد الجد لفلفت في ملحفتها وسط دمها وحملت إلى قسم الولادة العمومي لإنقاذ حياتها، وليس للكل إمكانية السفر الى الخارج ولا حظ تلك المسكينة التي حملت بطائرة ونقلت إلى مدينة أخرى.
تحياتي.
نجاة حمص