
في زمن أصبح فيه الخبر يطير أسرع من الصوت، وتتعدد فيه المنابر وتتضارب فيه الروايات، تبرز الصحافة الإلكترونية المستقلة كبصيص أمل في بحر متلاطم من المعلومات المشوشة.( هنا الصحراء)صوت يسعى لقول الحقيقة، ليوثق الواقع كما هو دون رتوش أو تجميل، ولكن هذا المسعى النبيل لم يعد مهمة سهلة، بل أصبح تحديًا محفوفًا بالمخاطر، حيث تجد «هنا الصحراء»، نفسها في مرمى النيران من كل حدب وصوب.
إنها معركة يومية تخوضها لا مع خصوم محددين، بل مع الأفكار المسبقة، ومع من يرفضون رؤية الواقع بعين غير ما اعتادوا عليها.
فبمجرد أن تتناول صحيفة قضية شائكة، تنفجر حولها عاصفة من الاتهامات. البعض يصفها بأنها “هجومية” لأنها لا تتورع عن كشف الفساد أو تسليط الضوء على قصور الأداء. وفي المقابل، يراها آخرون “مطبلة” أو منحازة لأنها ربما تتبنى موقفًا لا يتفق مع رؤاهم السياسية أو الاجتماعية.
وفي خضم هذه السجالات، تظهر اتهامات أخرى أكثر خطورة، كأن يقال إنها “مدعومة من أياد خفية” أو أنها تعمل لأجندات سياسية معينة، سواء كانت داخلية أو خارجية.
هذه الاتهامات، التي غالبًا ما تفتقر إلى أي دليل، تهدف إلى زعزعة ثقة القارئ في المحتوى، وتحويل مسار النقاش من مضمون الخبر إلى نية من كتبه.
ولكن ما يثير الدهشة، أن هذا الكم الهائل من الهجمات نادرًا ما تتعرض له منابر أخرى. هذا ليس دليلًا على ضعف «هنا الصحراء»، بل على العكس تمامًا، إنه برهان قاطع على قوتها ومصداقيتها. إنها تتعرض للهجوم من الأغلبية ومن المعارضة على حد سواء، لأنها ببساطة لا تنحاز لطرف دون آخر. إنها لا تتبنى مواقف متحيزة، بل تصف الواقع كما هو، وهذا ما يزعج الجميع.
إن الصحيفة المستقلة التي تهاجمها كافة الأطراف هي تلك التي تنجح في مهمتها الأساسية: أن تكون مرآة تعكس الواقع دون تزييف.
حيث إنها تضع الحقائق أمام الجميع، وتترك لهم حرية تكوين رأيهم، وهذا هو جوهر العمل الصحفي الحقيقي. فالقلم الحر هو الذي لا يميل مع الريح، ولا ينحاز إلى القريب أو البعيد، بل يظل ثابتًا على مبادئه، مهما اشتدت عليه الهجمات، ومهما علت الأصوات. وفي النهاية، يبقى الحكم للقارئ الواعي الذي يميز بين النقد البناء والهجوم المغرض.