إن ملف الحكم الذاتي ليس مجرد مقترح سياسي او ترتيبات إدارية عابرة بل هو ورش استراتيجي وسيادي بامتياز يندرج في صميم رؤية الدولة المغربية كما حدد معالمها جلالة الملك محمد السادس نصره الله برؤية موحدة وواضحة لا تقبل التجزيء ولا التأويلات الفردية ولذلك فإنه لا يمكن بأي حال من الاحوال تحويل هذا الورش الوطني الى موضوع للاجتهادات الشخصية او التصريحات الارتجالية مهما كان موقع اصحابها او مكانتهم داخل البنية الترابية للدولة.
وحيث كشف التصريح موضوع النقاش عن قصور بين في فهم طبيعة هذا الملف وابعاده الجيوسياسية والدستورية حين سقط في خطأ منهجي جسيم تمثل في محاولة الفصل بين الاطار الاداري والاطار السيادي للدولة وفي اجتهاد غير موفق لحصر مجال تنزيل الحكم الذاتي في جهة دون اخرى ،وهذا تصور يخالف جوهر المقاربة المغربية ، لان المملكة لم تكن في يوم من الايام كيان مجزأ لا في شمالها ولا في جنوبها ولان الجهات الجنوبية الثلاث وفي مقدمتها جهة كلميم واد نون كانت ولا تزال جزءا اصيلا من الامتداد التاريخي والبشري للمغرب قبل الحقبة الاستعمارية وخلالها وبعد استرجاع السيادة كاملة.
والحقيقة ان الهدف الجوهرى من مبادرة الحكم الذاتي ليس اعادة رسم الخريطة الادارية الداخلية بل انه صيغة سياسية نهائية ومبتكرة ولأنها تشكل نهاية نزاع مفتعل طال أمده ، فالمبادرة تمثل تجسيدا مؤسساتيا متقدما لفلسفة اليد الممدودة التي ارساها جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه من خلال مبدأ الوطن غفور رحيم ، ذلك المبدأ الذي فتح ابواب العودة امام المغرر بهم من مختلف القبائل الصحراوية واليوم يأتي الحكم الذاتي ليمنح هؤلاء العائدين امكان تدبير شؤونهم في اطار السيادة المغربية الكاملة مع ضمان صون كرامتهم وترسيخ انخراطهم في بناء مؤسسات الجهة التي ينتمون اليها تاريخيا واجتماعيا.
وفي هذا السياق فان المعطيات الميدانية تؤكد ان شريحة واسعة من المغرر بهم داخل مخيمات تندوف تعود اصولها القبلية الى جهة كلميم واد نون وأن عودتهم الطبيعية والمنطقية ستكون الى مناطقهم الاصلية حيث توجد امتداداتهم الاسرية والقبلية ومن ثم فان القراءة التي تبناها رئيس جهة العيون الساقية الحمراء تؤدي الى نتيجتين مرفوضتين اما اقصاء ابناء جهة كلميم واد نون من الاستفادة من الحل السياسي او فرض توطين قسري لهم في جهة اخرى بناء على معيار اداري فقط. وهذا يتعارض بصورة صريحة مع جوهر الفلسفة المغربية القائمة على الاندماج الطوعي والعودة الكريمة كما يتعارض مع الرسائل التي تقدمها المملكة امام المنتظم الدولي.
لذلك فان اي خطاب يسعى بقصد او بغير قصد الى تجزيء الاقاليم الجنوبية او اضعاف لحمتها الترابية هو خطاب غير موفق ويفتقر الى النضج السياسي المطلوب في هذا الظرف الدقيق الذي تتعزز فيه مكاسب المغرب يوما بعد يوم وهو خطاب لا يعكس التوجه الاستراتيجي للدولة التي ما فتئت تدعو الى توحيد الصف ورص الجبهة الداخلية وتجنب السجالات الجانبية التي لا تخدم سوى خصوم الوحدة الترابية.
ومن ثم فان موقع جهة كلميم واد نون داخل المعادلة السياسية للحكم الذاتي ليس موقعا تابعاً ولا قابلاً للمراجعة بل هو موقع اصيل ومحوري بحكم وزنها الجغرافي ورصيدها البشري وعمقها القبلي الذي يشكل جسرا تاريخيا بين مختلف مكونات الصحراء المغربية ولا يمكن لأي اجتهاد فردي ان يلغي هذا المعطى او ينتقص منه لان الدولة وحدها بقيادة جلالة الملك هي التي تملك سلطة تحديد مآلات هذا الورش السيادي وارساء قواعده.
ان المسؤولية اليوم تقتضي تعزيز الانسجام في الخطاب الرسمي والترابي وترسيخ الوعي بان جهة كلميم واد نون هي جزء لا ينفصل عن اي افق مستقبلي للحكم الذاتي وان تثبيت موقعها داخل هذا الاطار لا يخدم فقط مصالح الجهة بل يعزز ايضا المصلحة العليا للدولة ويدعم مناعتها الدبلوماسية ويقوي حضورها امام المنتظم الدولي في مسار يتجه بثبات نحو طي نهائي لهذا الملف بما يحفظ وحدة المغرب الترابية ويعزز مكانته الاقليمية والدولية.



































