شهد المجلس الإقليمي لكلميم خلال الفترة الممتدة من سنة 2022 إلى حدود منتصف سنة 2025 موجة من الانتقادات الواسعة طالت طريقة تدبيره للمال العام، وضعف الشفافية في اتخاذ القرار، وتغليب المصالح الخاصة على الأولويات الاجتماعية، في منطقة تعاني من الهشاشة على مستويات متعددة. هذه الانتقادات لم تأت فقط من معارضة داخل المجلس، بل امتدت إلى أصوات سياسية وجمعوية ووطنية، وصلت في بعض المحطات إلى أروقة القضاء.
ففي بداية سنة 2022، أثار المجلس جدلًا واسعًا حين خصص غلافًا ماليًا لا يتجاوز 200 ألف درهم لتجهيز قاعة بالمعهد العالي للمهن التمريضية، وهي مساهمة وُصفت من قبل بعض الأعضاء بأنها “رمزية ولا ترقى لمستوى تطلعات ساكنة الإقليم في قطاع حيوي كالصحة”. كما انتقد عدد من المستشارين غياب الوثائق التقنية للمشروع، وعدم تقديم تفاصيل دقيقة تبرر هذا المبلغ أو تحدد طبيعة المعدات، ما جعلهم يعتبرون أن القرار يفتقر إلى الشفافية والمقاربة التشاركية.
وفي صيف السنة نفسها، عاد الجدل ليتجدد بعد إدراج المجلس في جدول أعمال إحدى دوراته بندًا يتعلق باقتناء سيارات وشاحنات ودراجات نارية بغلاف مالي فاق 280 مليون سنتيم، من ضمنها سيارة فارهة مخصصة للرئيس. القرار وُوجه بانتقادات لاذعة، واعتُبر تبذيرًا غير مبرر للمال العام في سياق اقتصادي وطني يدعو إلى ترشيد النفقات. وقد عبّر عن هذا الموقف عدد من البرلمانيين، من بينهم رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، الذي وصف هذه الخطوة بـ”الالتفاف على دوريات وزارة الداخلية” في شأن الترشيد، في حين رأت فعاليات مدنية أن ما حدث يعكس غياب الحس بالأولويات داخل مؤسسة تمثل الساكنة.
تراكم الاختلالات بلغ ذروته في مطلع سنة 2023، حين أصدرت المحكمة الإدارية بأكادير حكمًا بإيقاف تنفيذ ميزانية المجلس برسم سنة 2023، وذلك استجابة لطعن تقدّم به المستشار المعارض محمد بلفقيه، الذي اعتبر أن المصادقة على الميزانية شابها خرق قانوني. وقد تسبب هذا الحكم في شلل مالي داخل المجلس طيلة أشهر، ما دفع وزارة الداخلية إلى التدخل قصد تصحيح الوضع في إطار قانوني، وهو ما شكل ضربة قوية لمصداقية المجلس أمام الرأي العام المحلي والجهات الوصية.
ولم تكد تداعيات هذه الأزمة تخبو، حتى انفجرت فضيحة أخرى في مارس 2025، حين كشف عضو المعارضة بمجلس جهة كلميم وادنون، محمد بودرار، عن تحويل مبالغ مالية من المجلس الإقليمي نحو جمعية محلية دون وجود اتفاقية شراكة، وهو ما وصفه بـ”الخرق الصارخ للقانون المالي والتنظيمي”. ودعا بودرار إلى فتح تحقيق إداري وقضائي، وربط المسؤولية بالمحاسبة، مؤكدًا أن مثل هذه التصرفات تكرّس سوء التسيير وتضرب في العمق مبدأ الحكامة.
في المقابل، سارع مسؤولو المجلس إلى الدفاع عن أدائهم، معتبرين أن القرارات المتخذة تمت وفق المساطر المعمول بها، وأن المجلس انفتح على عدة أوراش في مجالات الصحة والتعليم والنقل المدرسي. كما اعتبروا أن بعض الانتقادات الصادرة تدخل في إطار المزايدات السياسية أو تصفية حسابات انتخابية. غير أن الرأي العام المحلي، المتابع لتطورات الشأن الإقليمي، ما زال ينتظر من المجلس بوادر مراجعة حقيقية في منهجية التسيير، وربط النفقات بالنتائج والآثار الملموسة على أرض الواقع، خاصة في إقليم لا يزال يصارع من أجل تحسين بنياته التحتية وخدماته الاجتماعية.
بهذه الحصيلة المتأرجحة بين قرارات مثيرة للجدل ودفاعات رسمية غير مقنعة في كثير من الأحيان، يظل المجلس الإقليمي لكلميم في حاجة إلى تصحيح مساره، وإعادة بناء جسور الثقة مع المواطنين، على أساس الشفافية والفعالية و ربط المسؤولية بالمحاسبة، بما يليق بطموحات ساكنة تنتظر من ممثليها الإنصات أولًا، و العمل ثانيا.