
على عكس ماهو مشاع، لا قدرة لنا ولا طاقة على تحمل أشعة الشمس ولا حتى الإضاءة، تسبقنا سباباتنا إلى أزرار الإنارة كلما حللنا بمكان وإن لم يكن يخصنا، ناسين أننا في غير ديارنا ومكاتبنا، وتتحرك أكفنا لا إراديا لتداري ما استطاعت من فيتامين دال، متصيدين الظل في خطواتنا نحو مشاويرنا النهارية الإجبارية.
يتعجب الوافد عند مشاهدته لهذه الحركات المعادية للشمس و مصابيح الإنارة، بحكم ما ترسب في ذهنه من أساطير حول سكان الصحراء وربائب شجر الطلح، الذين يعتقد بوجود صلة قرابة بيولوجية بينهم وبين سفينة الصحراء “الجمل”، وأنهم مجرد طفرة جينية لنوق متحورة الظفيرة الوراثية.
وبالمثل نقابل تعجبهم كلما سافرنا إلى مدن الشمال، ورأينا كيف تتنزه الساكنة التي لا تعرف “الصگيع” ووجع العينين، تستمتع بوقتها وتتجول، متقلية بالأشعة الحارة الحارقة، التي تحول بيننا وبين تدقيق النظر، في الوقت الذي نتحرى فيه الظل ما استطعنا إليه سبيلا.
وعند الغروب، عندما تبدأ الحياة وتظهر الألوان والبهجة وترفع غشاوة “الصگيع”، نتحمس للخروج و ممارسة رياضة المشي والتبضع وصلة الرحم، نصدم بانفضاض الجموع وخلو الشوارع واستعداد اهل “تل” للنوم.
طرائف اختلاف الثقافات والعادات الموروثة المترسخة كثيرة، لكن موضوع “الصگيع” وحساسية أعيننا للشمس والإضاءة، هو أكثر المواضيع غير المعلنة حرجا، ولعل فهم هذا الأمر يعيد للأنشطة الثقافية جمهورها ومريديها، بعد استحواذ بعض من لا يعي طبيعة أهل الصحراء، على تنظيم المهرجانات والملتقيات والمؤتمرات التي غالبا ما تقام في عز “الگايلة” ولا يحضرها أحد، وعلى رأي المثل:
“هول الگايلة نوع من لفسيد”
ولعل في تناول هذا الموضوع، رفع للحرج الذي يشعر به ذاك المستضاف في مكان، حيث الثريات الشديدة الإضاءة فوق يافوخه، وعن يمينه مصابيح كأنها كشافات ضوئية وعن شماله، مما يرهق أعصاب عينيه ويحول بينه وبين الراحة والسكينة، ويشعره بأنه في استجواب مع خفر السواحل وليس ضيفا، فيتملص معتذرا ثم يهرب، ليتهم بعد ذلك بكثرة الاشغال وضيق الوقت وما خرج إلا مخافة “الصگيع”.