تُعتبر الجهات الجنوبية الثلاث للمملكة المغربية ـ كلميم واد نون، العيون الساقية الحمراء، و الداخلة واد الذهب ـ فضاءً استراتيجياً بما تحمله من خصوصيات جغرافية، اقتصادية و أمنية. هذه الأقاليم، التي تشكل الامتداد الطبيعي للمغرب نحو إفريقيا جنوب الصحراء، جعلت من المؤسسة الأمنية، و على رأسها الدرك الملكي، ركيزة أساسية في حماية الاستقرار و ضمان أمن الساكنة و المجال.
و منذ استرجاع الأقاليم الجنوبية، أولت الدولة المغربية أهمية قصوى لبسط الأمن و مواجهة التحديات المرتبطة بالمساحات الشاسعة و الصحراوية، هنا برز الدرك الملكي كقوة نظامية تُؤمن المجال خارج المراكز الحضرية، و تُراقب المحاور الطرقية و المعابر الحدودية و المناطق النائية.
و يُدرك المتتبع أن انتشار المراكز الترابية و القيادات الجهوية للدرك الملكي بالجنوب، لم يكن اعتباطياً، بل جاء وفق رؤية أمنية دقيقة تُوازن بين شساعة المجال و حاجيات الساكنة.
حيث تشهد الجهات الجنوبية موقعاً متقدماً في خارطة التهديدات العابرة للحدود، بحكم قربها من الساحل الأطلسي و امتدادها نحو العمق الصحراوي.
و قد لعب الدرك الملكي دوراً محورياً في تفكيك شبكات التهريب الدولي للمخدرات و السلع، و كذا التصدي لمحاولات الهجرة غير النظامية التي تتخذ من سواحل الداخلة و العيون و طانطان و بوجدور، منصات للعبور نحو جزر الكناري.
و لعل الحملات المتواصلة للدرك، بتنسيق مع البحرية الملكية و الأمن الوطني، أسهمت في تقليص المخاطر و تعزيز صورة المغرب كشريك مسؤول في محاربة الجريمة المنظمة.
و إلى جانب الدور الأمني الصرف، يضطلع الدرك الملكي بمهام مرتبطة بالسلامة الطرقية في طرق وطنية و جهوية طويلة تربط الشمال بالجنوب. وتُعد هذه الطرق شرايين حيوية للتجارة والتنقل، خصوصاً مع تزايد حركة العبور عبر معبر الكركرات الاستراتيجي.
و تظهر جهود الدرك في تنظيم السير، مراقبة المخالفات، والتدخل السريع في حوادث السير، ما يرسخ الثقة في المؤسسة لدى المواطنين ومستعملي الطريق.
حيث لا يقتصر عمل الدرك الملكي على المقاربة الأمنية الصارمة، بل ينفتح على البعد الإنساني و الاجتماعي، ففي المناطق القروية و البعيدة عن المراكز، يُعتبر رجال الدرك أحياناً الواجهة الأولى للدولة، ما يجعل حضورهم رمزاً للطمأنينة و الالتحام بين المواطن و مؤسساته.
كما أن انخراطهم في مبادرات التوعية، خاصة في مجال السلامة الطرقية أو مكافحة المخاطر الاجتماعية (المخدرات، العنف، الانحراف)، يعكس دورهم كشريك في التنمية المستدامة للأقاليم الجنوبية.
و يبقى الدرك الملكي جزءاً من السيادة المغربية التي تُمارَس ميدانياً بالجنوب. فكل مركز جديد أو وحدة ميدانية تُقام بالصحاري الشاسعة، هو تأكيد عملي على حضور الدولة وبسط نفوذها الشرعي. ومن خلال عملهم اليومي، يُساهم رجال الدرك في ترجمة مغربية الصحراء إلى واقع ملموس يتجسد في الأمن والاستقرار و التنمية.
إن الحديث عن الأقاليم الجنوبية المملكة، لا ينفصل عن الحديث عن المؤسسة الأمنية التي تحميها، و الدرك الملكي، بخبرته و انضباطه و انتشاره، أثبت أنه ليس فقط أداة لحماية الحدود و مكافحة الجريمة، بل هو أيضاً فاعل أساسي في مواكبة مشاريع التنمية والبنيات التحتية الكبرى التي تعرفها الجهات الثلاث.
فبفضل يقظة عناصره وتضحياتهم، ظل الجنوب المغربي فضاءً آمناً جاذباً للاستثمار والسياحة، وامتداداً طبيعياً لمغرب الوحدة والسيادة.