عفو جلالة الملك محمد السادس نصره الله عن الصحفيين المعتقلين بالتزامن مع تخليد الذكرى 25 لتربعه على عرش أسلافه الميامين، فالخطوة بالغة الأهمية إذا ما وضعناها في سياق مبادرة ملكية تستهدف تشجيع ودعم الصحافة وحرية التعبير في بلادنا.
بل إن هذا العفو الملكي، وفي هذا التوقيت بالذات، يشكل انطلاقة فعلية نحو تغيير الوضع الكارثي للتنظيم الذاتي لمهنة الصحافة، إلى تعزيز البيئة الديمقراطية وتوفير كافة ضمانات حرية التعبير، في السنوات الأخيرة عشنا مدة تراجع خطيرة أفضت إلى اعتقال هؤلاء الصحفيين، وما العفو الملكي الذي نراه اليوم سوى انعكاس فعلي لرؤية ملكية متبصرة تنطلق من دعم حرية الإعلام والصحافة تنطلق من حرص المؤسسة الملكية التأكيد على أهمية ودور الإعلام في المجتمع والدولة.
إن مبادرة ملكية ستسهم بكل تأكيد في تحسين صورة بلادنا على المستوى الإقليمي والدولي، خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، ونأمل أيضا في أن تسهم في تشجيع زملاء وزميلات مهنة على مواصلة عملهم بحرية واستقلالية، بما يضمن توفير المناخ المناسب للخوض في نقاشات مفتوحة حول قضايا مجتمعية تساعد على تحقيق التوازن بين ثنائية الأمن والديمقراطية، فضلا عن تعزيز الثقة بين الدولة والمواطن.
ففي السياق الحقوقي الذي استحضرته هذه المبادرة، لا بد من الانتباه إلى أن بلادنا تترأس مجلس حقوق الإنسان الدولي، والخطوة الملكية تعكس و-بشكل ملموس- التزام وجدية المملكة في مسألة تحسين أوضاع حقوق الإنسان وتعزيز الحريات الأساسية، بل هي خطوة استراتيجية نحو تعزيز مصداقية المملكة المغربية في مجالات حقوق الإنسان، على عكس ما يدعيه أعداء نمو وازدهار بلادنا.
كما أن الإفراج عن المعتقلين الصحفيين، يمكن اعتبارها دلالة إيجابية على أن جلالة الملك يؤيد دعوات الإصلاح الديمقراطي وحرية التعبير، و-بطبيعة الحال- هذا الأمر يتماشى مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان. وقد يسهم هذا العفو الملكي في تحفيز المزيد من الإصلاحات في مجال حقوق الإنسان، إلى جانب مساهمته في تطوير سياسة وطنية قائمة على احترام الحريات الأساسية وتعزيز الحقوق الفردية.
يمكننا القول اليوم للعابثين بالتنظيم الذاتي لمهنة الصحافة سواء من داخله، أو من خارجه، بأن “للبيت رب يحميه”، ولإطلاق سراح الصحفيين توفيق بوعشرين وسليمان الريسوني تأثيرات بعدية إيجابية على قطاع الصحافة في البلاد، من شأنها أن تحمل رسائل قوية للرد على من يريدون إفساد فرحة المغاربة بهذا الحدث التاريخي، كيف لا وهم من يعيق اليوم تطوير المهنة وتنظيمها الذاتي.
ينبغي الوعي أيضا بأن تعزيز حرية الصحافة والتعبير ببلادنا، دعامة أساسية نحو تعبيد طريق التنظيم الذاتي لمهنة الصحافة، وبمعايير أكثر أخلاقية ومهنية أعلى في الصحافة، وبشكل يسهم في تحسين جودة المنتوج الصحفي والإعلامي المقدم لعموم المغاربة، والقطع مع مرحلة الفساد التي يعيشها هذا القطاع المهني الذي يريد البعض جعله “مهنة لمن لا مهنة له”.
وباعتبارنا نمثل جيلا جديدا من الصحفيين والصحفيات، لا يفوتنا أن نشيد بهذه الالتفاتة الملكية السامية والتي من شأنها الإسهام في تشجيع الطاقات والكفاءات الشابة التي تزخر بها مملكتنا على الانخراط في هذا المجال، بما يحافظ تنوع الأصوات والأفكار والتعددية التي ينص عليها الدستور المغربي.
بشكل عام، يُمكن أن نعتبر إطلاق سراح الصحفيين، خطوة هامة نحو الارتقاء بقطاع الصحافة في المغرب، وتعكس التزامه بالمضي نحو مستقبل إعلامي أكثر حرية واستقلالية، وتحقيق مزيد من الشفافية والمساءلة، وكذا ربط المسؤولية بالمحاسبة.
الصحفي سيدي اسباعي