لازالت مدينة العيون تعيش على وقع هبة شعبية لجمع ما تيسر من أجل مساعدة المرضى هنا وهناك في غياب تام للمنظومة الصحية. و دليل على ضعف البنيات التحتية و الخدمية. حتى تظهر أزمة أخرى متجددة هي الاخرى و دليل أخر على أن التشدق بالتنمية أصبح وصمة عار على جبين كل من يعاند في اثبات أمر وهمي،، لا يوجد سوى على الورق و في قصاصات الاخبار و البرامج الاخبارية و التلفزية. أما على الواقع فالمواطن شاهد على ذلك من خلال احتكاكه اليومي و معايشته للإكراهات اليومية. الأزمة هي انقطاع المياه بشكل كلي عن المدينة أو أجزاء كبيرة منها على الأقل.
الغريب في قضية المياه هذه هي أن المكتب لا يرحم بمجرد تأخرك بيوم عن سداد الفاتورة تؤدي غرامة عن التأخير. أي أنه لا يتساهل في التأخر عن الأداء ولو ليوم في الحالات العادية(قبل كورونا)، أما اذا تأخرت لثلاثة أشهر فمصيرك نزع العداد وقطع الخدمة نهائياً.
و في المقابل تتأخر خدمة تزويد المياه أحياناً لأيام و دون إشعار مسبق و المكتب لا يكلف نفسه حتى الاعتذار و قد يُصدم المستفيد من الخدمة بمبالغ خيالية تفوق استهلاكه لكنه ملزم بالاداء حتى إن فاق المبلغ قدراته (يتسلف… دبر لراسو) ثم بعد ذلك يمكنه أن يشتكي.
هذه المياه التي توصف حسب المكتب بأنها صالحة للشرب ظلماً و عدوانا لا تصلح الا لجلي الصحون و الصابون و دورات المياه و يضطر العديد من المواطنون الى شراء مياه القنينات المعلبة أو استعمال مخزون الغدير في الشرب و الطهي.هذا الامر متواصل منذ سنوات و المواطن المتضرر يكتفي بالامتعاض مع جيرانه في طابور انتظار الشاحنة الصهريجية و بمجرد ملئ الخزان يعود الى حياته الطبيعية.
قس على ذلك في كل المشاكل التي يعاني منها المواطن يلتزم بالواجبات دون الحصول على الحقوق. بالطبع دون الخوض فيمن يتوجب عليه الترافع من أجل انتزاع الحقوق اذا ما تقاعست الدولة عن توفيرها. هي ازمات صغيرة تافهة احيانا لكنها عميقة ومتجذرة وكان يمكن عدم الحديث عنها لولا المبالغة في توصيف الواقع و كأن مدن الصحراء ترفل في رفاهية لا حدود لها.ان الرفاهية في الحد الادنى انعكاس لمستوى الوعي، و انعكاس لمستوى معرفة ما لديك من حقوق و كيفية الحصول عليها.
الكثير من الحقوق يعتبرها البعض منة يجب الانبطاح و التملق و حذير الراس و حذير الدرجة، من أجل الحصول عليها. و لأن المسؤولين واعين تماماً بمستوى الوعي هذا، فهم يجاهدون من أجل الحفاظ عليه و قطع الطريق امام من يحاولون انارة الطريق باتجاه مواطنة واعية بحقوقها الحقة.لكن وفي المقابل هل يحق للمواطن أن يسلك سبلاً أخرى في حالة إخلال الدولة بالتزاماتها و تقاعس الوسطاء (مسؤولين و منتخبين) من أجل الحصول على حقوقه المكفولة بنص القانون والتي هي ابسط الحقوق في الواقع: (الحق في تعليم جيد (عمومي)، الحق فالصحة، الحق فالعمل، الحق فالحصول على المعلومة، الحق فالعدالة، الحق فالحرية).
بمجرد التفكر في اسئلة من هذا النوع ومحاولة ايجاد السبل، تتناسل امامك صور القمع الذي يتعرض له المواطنون الذين فاض بهم، و الذين بحت حناجرهم. و الصحفيين الذين زج بهم في غياهب السجون او هجرو أو نكل بهم. و تدرك أن كبح الوعي ممنهج. و أن الصراع بين وعيين. وعي رجعي يحافظ على مصالح طغمة تتوسع و وعي تنويري اصلاحي تضيق مساحة تحركه و يضعف عدد المؤمنين به. الا ان منطق التجارب الانسانية و التاريخ يؤكدان انه صراع سرمدي بين الخير و الشر .
و الخير غالباً ماينتصر.