تحتفل الأسرة الإعلامية قاطبة غدا الثلاثاء باليوم الوطني للإعلام والتواصل (15 نونبر من كل سنة)، باعتباره مناسبة للوقوف على واقع هذا القطاع الاستراتيجي واستشراف آفاقه لمواكبة العصر ورهاناته.
وأكثر من مجرد لحظة احتفالية، يشكل هذا اليوم الوطني موعدا للوقوف على حصيلة سنة من القطاع الإعلامي بالمغرب، والتحديات التي تواجهه، في ظل الأوراش التي تم إطلاقها للنهوض بالمشهد الإعلامي الوطني.
وقد حظي قطاع الصحافة والإعلام بالمغرب باهتمام كبير خلال السنوات الأخيرة، وهو ما جسدته التوجيهات السامية التي تضمنتها عدد من خطب صاحب الجلالة الملك محمد السادس، والتي دعت إلى النهوض بقطاع الصحافة وتطويره، وكذا المكانة المتميزة التي منحها دستور 2011 لحرية الصحافة، فضلا عن المعاهدات والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب كي يتبوأ القطاع مكانة مهمة في مجتمع يؤمن بالقيم وتكريس الديمقراطية على كافة المجالات والأصعدة.
ويتجلى الاهتمام الكبير الذي تحظى به “مهنة المتاعب” في المغرب عبر انخراط الجميع من حكومة ومجتمع مدني ومواطنين، لتعزيز هذه الحرية والحفاظ على تعددية الإعلام وضمان تحديث القطاع، الذي يمثل إحدى دعامات مشروع المجتمع الديمقراطي الحداثي.
ويحتل النهوض بقطاع الصحافة والإعلام الوطني مكانة هامة ضمن البرامج الحكومية، وأولوية ضمن اهتمامات السلطات العمومية، انسجاما مع الخيارات الديمقراطية للمملكة، والإرادة المشتركة لتكريس ثقافة حقوق الإنسان وحرية الولوج إلى المعلومة كما يكرسها الدستور باعتبارها أحد الحقوق والحريات الأساسية لجميع المواطنين.
وفي هذا الصدد، أكد وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، أن الوزارة تعمل على دعم الإنتاج الإعلامي الوطني وتعزيز مكانة المؤسسات الصحافية ونموذجها الاقتصادي.
وشدد المسؤول الحكومي، في عرض قدمه في 4 نونبر الجاري، أمام لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، على أن الحكومة حريصة على تعزيز الدعم الموجه للصحافة الورقية والرقمية وتقوية الصحافة الجهوية لمواكبة ورش تنزيل الجهوية المتقدمة، فضلا عن تعزيز مكانة قطاع الاتصال السمعي البصري الوطني العمومي وضمان ممارسة حرة تحترم التعددية.
وفي خضم هذا السياق الراهن المضطرب جراء العديد من الأزمات الدولية، بكل ما يحمله ذلك من إكراهات في ما يتصل باستدامة النموذج الاقتصادي لوسائل الإعلام، بات من اللازم استشراف نماذج مبتكرة كفيلة بضمان استمرارية تطور هذا القطاع، خصوصا في ظل التطور المتسارع الذي تشهده وسائل التكنولوجيا والتواصل الجديدة التي فرضت على وسائل الإعلام التقليدي أنماطا غير معهودة في أشكال الإنتاج وطرائق التفاعل مع المتلقي.
فقد أصبحت التكنولوجيا الرقمية من الركائز الأساسية المعتمدة في مختلف أنواع الخدمات والإنتاجات، لاسيما في المجالات المرتبطة بالإعلام والتواصل، مما يستوجب على القطاع مواصلة تحديث آليات اشتغاله ومواكبة التطورات الرقمية الحديثة، لتحقيق النجاعة في الإنتاج ومواجهة المعلومات المغلوطة والأخبار الزائفة لتكريس الجودة والمصداقية.
وفي وقت أصبح فيه من الصعب التحكم ومراقبة تدفق المعلومات التي يتم نشرها ومضمونها، يتعين التساؤل عما إذا كانت هذه الوسائط الجديدة للاتصال ونشر المعلومات، التي حازت جانبا مهما من حصة الوسائط التقليدية، لا تزيغ عن جوهر الممارسة المهنية للصحافة.
وفي هذا السياق، نظم نادي الصحافة بالمغرب والمركز المغاربي للدراسات والأبحاث في الإعلام والاتصال، بشراكة مع المعهد العالي للإعلام والاتصال، يوم 10 نونبر الجاري، لقاء فكريا تحت عنوان “محتوى وسائل التواصل الاجتماعي، ما بين حرية التعبير والتفاهة”.
وقارب أساتذة جامعيون وخبراء من عوالم الفكر والثقافة والفن والصحافة والإعلام، خلال هذا اللقاء، المنظم بمناسبة اليوم الوطني للإعلام والتواصل، خطوط التماس بين حرية التعبير و”التفاهة”، مشددين على أن مواجهة “التفاهة” تمر أساسا عبر التربية والتعليم، وذلك من أجل خلق “مناعة ثقافية” لدى متتبعي محتويات وسائل التواصل الاجتماعي.
وأشاروا إلى أنه من الواجب اليوم على الصحفيين المهنيين أن يدافعوا عن مهنتهم وعن قيم الصحافة، مشددين على أن التحول الرقمي الحاصل على جميع المستويات، ينبغي أن لا يقيد الحريات لأنها أساس العمل الصحفي.
وفي علاقة بالإعلام والصحافة، سلطت فعاليات الأسبوع العالمي للتربية على وسائل الإعلام والمعلومات، الذي انطلق يوم 24 أكتوبر المنصرم بالرباط، تحت شعار “تعزيز الثقة باعتباره أمرا لا غنى عنه في إطار التربية على وسائل الإعلام والمعلومات”، الضوء على التثقيف الإعلامي والمعلوماتي الذي يساهم في تعزيز ثقة المواطنين ومحاربة انعدام الثقة.
وفي كلمة بالمناسبة، قال مدير المعهد العالي للإعلام والاتصال، السيد عبد اللطيف بن صفية، إن الشباب “فئة هشة من الجمهور” وهم الهدف الأساسي لمبادرات التربية الإعلامية، مضيفا أن الجمهور من كافة الأعمار “لم يعد في مأمن من الأخبار الزائفة ومختلف أشكال الاستغلال”.
وأشار إلى أن التربية الإعلامية تتجاوز مجرد كونها مسألة اندماج في الفضاء العام المشترك من خلال الفهم والتفاعل مع الرسائل المنشورة إعلاميا، مسجلا أن التربية الإعلامية وسيلة لجعل التعبير الشخصي من خلال وسائل الإعلام أمرا واضحا، وضمانة بالخصوص لحماية “الفضاء الخاص”.
وعلى غرار اليوم الوطني للإعلام والتواصل، أضحت الجائزة الكبرى للصحافة، التي تطفئ هذه السنة شمعتها العشرين، تقليدا سنويا ولحظة هامة لتشجيع الكفاءات المغربية وتكريمها، وفية في ذلك لفحوى الرسالة الملكية السامية الموجهة لأسرة الإعلام في نونبر 2002.
إن الإعلام والتواصل، باعتباره قطاعا حيويا واستراتيجيا ومرآة للتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها أي بلد، مدعو لمواصلة المشوار بثبات، نحو مزيد من الهيكلة والتحديث لرفع تحديات الأزمات وكسب رهانات الرقمنة، بما يمكنه من الاضطلاع بدوره كرافعة للتنمية ومحفز لتعزيز المسار الديمقراطي، وذلك انسجاما مع الإرادة الملكية الراسخة للنهوض بقطاع الإعلام والتواصل وتعزيز مبادئه النبيلة.