نجاة حمص: كاتبة ومدونة
بعد أن أحرق الإسلاميون رصيدهم لدى المغاربة، ابتكروا “مقاطعة الإنتخابات”، وهي أكثر الألعاب، إن لم نقل المؤامرات، السرية، السفلية، التي دفع الشعب المغربي ثمنها غاليا، هدفها : إقناع المواطن بعدم جدوى المشاركة السياسية والإنتخابية، تبخيس العمل الحزبي، عدم أهلية الأحزاب، تخوين وجرح مصداقية كل الفاعلين السياسيين، وبالتالي عدم جدوى التصويت، بحيث يكون الخيار الإستراتيجي الوحيد أمام الشعب هو “المقاطعة”، وتكون فرصة سانحة لنزول آلاف الإسلاميين والمتعاطفين للتصويت.
يفوز الإسلاميون طبعا، فقد تم تمهيد الطريق أمامهم وتنقيتها من كل المنافسين، من خلال سلاح المقاطعة، الذي رصد من أجل نشره و تثبيته سنوات من التأصيل والبناء الفكريين، وقد تبينت فائدته على الإسلاميين، بتوالي المشاركات الإنتخابية، ومد أذرعهم الأخطبوطية في مؤسسات المملكة.
ولا تكتمل الحبكة دون الإستعانة بخدمات مواقع و مدونين، يقبضون بالشمال ليكتبوا باليمين عن خيار المقاطعة، وترسيخها كفكر، واختراع ما من شأنه الإساءة للإسلام قبيل الإنتخابات بفترة، بحيث تنتفض الجينات العربية الإسلامية في جسد المواطن الذي يرى فيما كتب ودون استهدافا للدين، وإن من الواجب عليه المشاركة في غزوة التصويت ونصرة من يمثل الإسلام بخطاباته الحماسية وحنكته البالغة في دغدغة مشاعر المتلقي.
أكثر ما خدم الإسلاميين في استحقاقات 2011، في ذروة الربيع العربي وأوج تألق حركة 20 فبراير، كان هو عدول الحركة عن المطالب الإجتماعية وتوجهها صوب المساس بالمقدسات والمطالبة بالحرية الجنسية، الحق في إفطار رمضان وكل ما من شأنه استفزاز مشاعر أعتى عربيد في الشارع المغربي، ولك أن تتخيل وقع خرجات الحركة، بعد دبلجة المدونين والمواقع و باسيج الإسلاميين للأخبار وترجمتها إلى لغة الشارع، ورش بهارات وإضافة نكهات كفيلة بزعزعة الأمن والإستقرار.
في الإستحقاقات الموالية، كانت مسيرة “ولد زروال”، مسيرة ظاهرها الإساءة للإسلاميين وباطنها الترويج لهم بطريقة غير مباشرة، فقد انتهى العصر الذي يهاجم فيه العدو مباشرة, لأن اللعبة الحديثة هي استهداف المعني بالأمر وجعله “شجرة مثمرة”، بطريقة منمقة ، و الزج بمنافس الشجرة المثمرة هذه في اللعبة ثم التخلص منه لاحقا بالضربة القاضية، بالإستعانة بالباسيج والذباب الإلكتروني، الذي لا يصدق وقوع جنازة ليشبع لطم.
لم يعد أنصار المتأسلمين يعلنون تضامنهم علنا، بل أصبحوا من حين لآخر يهاجمونهم كما يفعلون مع البقية لكن مع بعض المحاباة التي تتعاظم عندما يقع إسلامي في مشكل يعريه للعيان:( تعيين مقرب، استرزاق غير مشروع، فضيحة أخلاقية…)، آنذاك يهرعون دون تقية، للدفاع عنه وبذل النفس والنفيس وتسخير كل المنابر الإعلامية للدفاع عنه، بشعار “لن نسلمكم أخانا..”.
ويلعب المدونون بسلاح المقاطعة ،الكفيل بإرباك الحسابات في لحظة تتميز بالهشاشة، بعد أن فطنوا إلى أن الشعب المغربي على استعداد لسحب الثقة من الذين يتلقون دعما إعلاميا رسميا، فدعم أحدهم بالمباشر يعني إفقاده الشعبية وتحويله إلى ورقة مكشوفة.
تعددت الأسباب والفوز واحد، صحيح أن الإسلاميين لا يقدمون رشاوى للمصوت، وبهذا يتفاخرون أمام باقي الأحزاب، لكنهم يعمدون إلى استعمال رشوة ” الدين”، بانتقاء كلمات خطاباتهم وحشوها بما بإمكانه أن يظهرهم بمظهر المضطهدين والمغلوب على أمرهم، الناجون من أصحاب النبي نوح عليه السلام، المنخرطون هم ركاب السفينة وبالتالي فالبقية كفار غرقى لا عزاء لهم.
باستغلال بعض الخرجات، التصريحات والأخبار والركوب عليها، فمرة يهاجمون القروض ثم يتبين أن المهاجم وقيادات أخرى تستفيد من قروض سكن, ومرة باستهداف وزير ورجل أعمال منافس ووصفه بالسارق، قبل أن يتبين أنه كان ربحا مشروعا، مرة يتحججون بالصيف والتبرج والسفور ثم يتصارعون على منصب فتنشر بعض القيادات لبعض صور وفيديوهات لا أخلاقية.
كل هذا والشعب في موقف المتفرج، يحسب عليه أنه المتسبب في قدوم الإسلاميين, فيعاقب من طرف خصوم المتأسلمين برفع الدعم عن المواد الأساسية ،تحرير سوق الغاز، التقاعد، التعاقد، إلغاء مجانية التعليم والصحة، رفع أسعار المواد الغذائية، تثبيت معاشات النخب السياسية..إلخ، ويصادق الإسلاميون على تلك القرارات بابتسامة و بالإجماع, بل وبعناق أخوي حار، بعد التأكد من عدم قدرتهم على تدبير الصراعات السياسية بمرجعيات الفصيل الجامعي، و بضرورة التماهي مع شروط وقواعد أعداء الأمس للبقاء أطول فترة ممكنة في المشهد السياسي.
حتى إذا انتهت عهدة واقتربت استحقاقات إنتخابية أخرى، تباكوا على ما لاقى الشعب من سنين عجاف، استدروا العطف بخطابات المظلومية والإضطهاد، واستعانوا بخدمات المدونين والمواقع والصفحات، لنشر فكرة المقاطعة، مستغلين يأس وخيبة أمل الشارع، فيقاطع الشعب، ويصوت الإسلاميون بكثرة.. وهكذا دواليك.