عزيزتي “الدخنة”..لا تمرضي!

نجاة حمص21 يناير 2025آخر تحديث :
عزيزتي “الدخنة”..لا تمرضي!
نجاة حمص

كوكب الأرض كوكب غامض، لم تكتشف بعد كل مخلوقاته وكائناته وعجائب خلق الله فيه، لا تزال أمامك فرص كثيرة للإنبهار والذهول وإطلاق شهقة الدهشة تلو الأخرى، ولا زال بالإمكان أن يتدلى فكك السفلي في بلاهة،.. على سبيل المثال، أمام “دخنة” مريضة.

من المعروف عن إناث الجنس البشري على هذه الأرض أنهن برقة الأزهار وهشاشة البلور وخفة الفراشات، ولا أروع منهن لحظة الضعف والدعة والاستسلام، ولا أعظم تجلي للطف الله من فتاة تعرف كيف تبقى في خانة الإناث رغم المرض.

المرض حدث عابر، و الأنوثة، من المفروض، أن تكون صفة ملازمة وسمت متجدر، و لا بأس بنزلة برد أو لفحة حمى، ” وما يخسر شي” التهاب اللوزتين أو حتى عملية قلب مفتوح على الأنوثة، فليس من المفروض أن تعوي الواحدة منا وتبدأ في التحول إذا ارتفع مؤشر المحرار ب”شرطة” أو اثنتين.

هناك صنف من الإناث يتمنى المرء ألا يغادره المرض من فرط النعمومة والجمال، ذلك النوع الذي يدخل فراشه ويلازمه بكل “كياتة” ورقة، ولا يقوم من مكانه إلا ليضع الكريم المرطب، بلسم الشفاه، أو ليغسل أسنانه و يلقي نظرة على وجهه ثم يعود بخطوات هادئة إلى الفراش، وإذا شعر برغبة في البصاق أو التقيؤ هرول إلى الحمام وأغلق بابه،.. صنف جميل، يعرف معنى الخصوصية ويدرك أن مرضه ملك له وحده ولا أحد ملزم بمقاسمته معه، يقطف ابتسامات من وسط المعاناة ليرفقها مع الحمد عند سؤاله عن حاله، يتألم في صمت وبكل هدوء، وإذا خوطب أجاب بصوت رقيق مبحوح وعيون ذابلة.. النوع الذي يجعل أقوى الرجال يشعر برغبة عارمة في عناقه وتقبيله.

و هنالك نوع، عافانا الله وإياكم، وهو الذي ينبت غالبا و بشكل عشوائي في القارة الإفريقية، ولعل من المنصف أن يصنف كفصيلة مستقلة بذاتها.. الصنف “الأدخن” الذي لا يتهندم ويعود إلى شكله الشبه آدمي إلا مساء، عندما يرغب في البحث عن طريدة ومشروع شريك تزاوج، الصنف الذي على السلطات أن تعلن حالة الاستنفار القصوى إذا شكت في مرضه.

صنف المسترجلات اللواتي فهمن القوة بالغلط، إناث “فرانكشتاين” اللواتي هن مصرات على أن يعرف القاصي والداني بدائهن ومرضهن، ولزاما على الكوكب أن يتعاطف معهن، وليس مسموحا، بتاتا، بأي جملة تشجيع على مواجهة النازلة.

من عجائب هذه الفصيلة أن تصر الواحدة منهن على أن تكون اجتماعية رغم أنف المرض، فلا ترى جمعا إلا دخلته بشعرها المكهرب وكل سوائلها الحيوية الطليقة، ولا ترى بأسا في نفض جيوبها الأنفية ومسح ما تطاير عليك بكل بساطة وأريحية، وإذا حزبها أمر قامت إلى الحوض المقابل و قضته، حتى إذا تعبت من القيام والجلوس، جلبت “آنية” و وضعتها بجوارها لتقضي فيها مآربها وقرفها على مرأى ومسمع من الكل، ثم استأنفت محاولاتها في إثبات شعبيتها و حبها للمة والناس.. ” الله يقرفك يا شيخة”.

هذا الصنف ” الأدخن”، المجاهد لاثبات الندية مع الرجل، العاشق لحمل قنينات الغاز و لا يرى بأسا في سلخ أضحية العيد من باب ” الكرامة” وعدم الحاجة للتستوستيرون، المنشغل دوما و أبدا في تعليق صكوك الذنب والاجرام على الجنس الآخر، المظلوم في كل رواياته، الذي يغرق الآخرين بالعطاء ويبالغ في التضحية.. هذا الصنف هو أخطر مفترس على وجه الأرض، بعد أسماك القرش، لاسيما في حالة المرض.

ضعف الأنثى سر قوتها، وهذا ما لا تعترف به ” الدخنة”، ” السترونغ اندبندنت وومن”، التي تقاوم الغريزة و تغالب الفطرة حتى في لحظات المرض التي تستوجب السكينة والدعة،.. يخيفها البقاء وحدها مع مرضها، كما يخيفها الاختلاء بنفسها، فلا شجاعة لها لتواجه نفسا تتبرم منها ولا تتقبلها كما هي.

لذلك ترى الواحدة منهن مصرة على لعب دور الإجتماعية، تتفنن في وصف ما تشعر به لإيصال القرف كما يجب، ولا تتعب من الشكوى ولا تمل من التظاهر بالألم وهي تبحث في أعين المحيطين عن بعض الشفقة، و الويل لهؤلاء المحيطين إن لم تجد في أعينهم شيئا، فعزيزتنا”الدخنة” على استعداد لقلب كل الطاولات والكراسي، والدخول في عراك مع كل من تسول له نفسه أن يقول “الحمد لله رانك تباني لباس”.. الجملة التي يمكن أن تتسبب في جرائم ضد الإنسانية وفي اتهامك بالغدر والخيانة العظمى، أما “دوري تعافاي ان شاء” فهي دلالة على عدم الإحساس والأنانية وقلة الأصل، وربما هي نص قطعي الدلالة على الخروج من الملة.

نجاة حمص

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


error: Content is protected !!