سيدي اسباعي.
إن ظاهرة عزوف الشباب عن المشاركة السياسة والحزبية، وتفضيله الانزواء للتدوين أو التغريد في مواقع التواصل الاجتماعي، هو نتاج فعلي لغياب قدرة الأحزاب السياسية ببلادنا على فهم أن الثقة أمر لا يصح أن يكون من جانب واحد فهو شيء متبادل بين الأحزاب والشباب، إذ لا يمكن حصر هذا الأخير في كونه مجرد خزان انتخابي، أو مجرد فاعل لا يستطيع العطاء خارج حدود المنظمات الجماهيرية الموازية للأحزاب.
ومسألة عدم الثقة في قدرة الشباب على قيادة المشهد الحزبي، تظل هي الأمر الوحيد الذي يحظى بالإجماع لدى المكونات الحزبية المغربية بمختلف توجهاتها السياسية والإيديولوجية، سواء داخل الائتلاف الحكومي الذي يقوده حزب بمرجعية تنظيم الإخوان المسلين العالمي، أو في ) المعارضة (، والتي ترفع شعار الليبرالية ، الحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان، وحتى داخل أحزاب اليسار بأطيافه، فكل قيادات الأحزاب اليسارية المغربية، فالجميع لا يضع التشبيب على مستوى القيادات الحزبية ضمن أولوياته، ويفضلون تكرار واجترار تجارب إعادة تدوير نفس النخب التي نالت منها الشيخوخة فكرا وعطاء، وأمام هذا الوضع نتساءل عن، كيف هي طبيعة التغيير الذي يرفعون شعاره مع اقتراب كل موعد انتخابي.
نحن نعيش اليوم أمام مشهد حزبي ضعيف لا يعطي المجال لقدرة الشباب على التغيير، ويمكن تلخيصه، في أن غالبية الشباب لا يثق في الأحزاب والمؤسسات، والبعض الآخر يسقط في مستنقع الانتهازية وينخرط في الأحزاب، للبحث عن موقع في لائحة الشباب، قد يعطيه فرصة الحصول على مقعد في المجالس المنتخبة، وتقاعدا مريحا في سن مبكر.
إذا قمنا بقراءة بسيطة في وضعية الأحزاب السياسية بالأقاليم الجنوبية، سنلاحظ أنها تكتسي طابع وشكل القبيلة، وبالتالي فهي خالية أي برنامج سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، أما الثقافي فهو مغيب، ودور المرأة والشباب فيه فلكلوري، وفي وضع كهذا تبدو الأحزاب خالية من أي وظيفة تأطيرية للمواطن، وفيها يهيمن الجهل على الثقة، مشهد يجسده تحكم وسيطرة الأميين على النخب المثقفة، في كثير من الأحزاب السياسية في الصحراء.
يمكن القول، إن وجود الأحزاب السياسية في الصحراء، مجرد وجود قانوني، أي أنها عبارة عن تجمع لكائنات انتخابية لن تنتج سوى الهشاشة والعجز عن مواكبة وتيرة النموذج التنموي الذي تطمح إليه الدولة والشعب، وتجسيد هذا النوع من الأحزاب واقعيا، نراه في عائلات تهيمن على المجالس بعباءة حزبية، وتستغل المشاريع الملكية وكل الميزانيات المرصودة للأقاليم الجنوبية، وتسوقها على أنها نتاج برنامج حزبي، وفي كثير من الأحيان تنسبه للأشخاص وتلغي الحزب الذي تمثله على الورق.
هذا الوضع ينطبق على باقي جهات المملكة، مع نقطة اختلاف وحيدة تتمثل في المعطى القبلي، أي أن الحزب يبنى على القبيلة قبل البرنامج السياسي الحزبي المركزي، فالمجتمع الصحراوي مجتمع لا يعترف بشيء اسمه الممارسة السياسية في إطارها الحزبي المؤسساتي، فالمرشح قبل أن يمثل الحزب فهو يمثل القبيلة، والدعوة موجهة للجميع للتمعن في التركيبة البشرية لقيادات الأحزاب السياسية داخل كل مدن الصحراء.
ويعتبر المال والقبيلة، محددين رئيسيين في قياس قوة الحزب في الصحراء بعيدا عن برنامجه السياسي العام كما هو مسطر مركزيا، فالأحزاب السياسية،الجهات الجنوبية الثلاث، لا تعدو كونها قبائل في ثوب حزب سياسي، دورها فقط تعبيد الطريق نحن الوصول إلى البرلمان وغيره من المسؤوليات والمناصب السياسية الكبرى، بشكل لا يعطني ادنى قيمة للقناعات السياسية.
لسنا بصدد إعطاء صورة تقتصر، أن الشباب ضحية هذا النمط من العمل الحزبي وفقط، فهو يتحمل أيضا القسط الأوفر من مسؤولية وضعه خارج حسابات العمل الحزبي بالصحراء، فإن كانت الأحزاب منظومة قبلية، فالشباب مطالب بالمشاركة السياسية في الاستحقاقات الانتخابية القادمة، وقبل ذلك الانخراط في الهياكل الحزبية، والمساهمة في فرض التغيير الجذري من داخلها.
فلا يمكن التخلص من قبضة الأمية داخل الأحزاب في الصحراء، والقطع مع مرحلة حزب القبيلة، إلا بكثافة تواجد الشباب المثقف، والذي يملك خطابا جريئا ويملك إرادة صلبة تتحطم عليها ثقافة وعقلية الأحزاب المبنية على القبيلة أو العرق، وبناء مرحلة جديدة تؤسس لممارسة سياسية نستطيع من خلالها بناء مجتمع مدني، بشروط ومعطيات غير التي نعيشها اليوم.