إن أزمة كورونا المفتعلة قد ظهر فيروسها لأول مرة في مدينة ووهان الصينية إبان الأشهر الأخيرة من رئاسية ترامب أنذاك ، وتحملت على إثرها الصين ضربة موجعة ، إذ تكتمت عن كشف حجم الأضرار الحقيقية التي لحقت بإقتصادها ،و جعل منظرو سياساتها الكبرى بين التأمل في ضرورة خروج الصين إلى العالم من خلف خطوات روسيا القيصرية في شكل تكتلات إقتصادية اكثر نفوذا في الإقتصاد العالمي كتجربة لBRICS ، والبحث عن توافقات سياسية مع أمريكا ومحورها من الدول الغربية ، مستبعدة سيناريوهات التصادم و المواجهة العسكرية معها ، وهو ما جعل الساحة الإفريقية هي الأكثر إجابة على هذه المعادلات السياسية الأكثر تعقيدا في متغير العلاقات الدولية.
كان للحراك الإفريقي الأخير بالبعض من دولها فرصة ذهبية للديبلوماسية المغربية في الدفع بأطروحة التأسيس لكتلة دول الساحل الغربي الإفريقي ، تحت غطاء حمائي غربي يأخد من تجربة الاستقرار السياسي و الإقتصادي بالمغرب نمودجا قياديا ، يمكن محاكاته و إستنساخ إطار فلسفته الكبرى على امتداد جغرافيتها وصولا إلى نيجيريا الشقيقة ، من خلال شريان الإمداد الطاقي .
و لقد ظلت فرنسا عبر التاريخ تبحث عن نموذجها الفرانكفوني المثالي ، رغم ما سجله تاريخها من ظلامية و سوداوية في عهدة الإستنهاض الحركات التحررية بالعالم ، وكان دائما يقف مؤرخوها عند محطة دول شمال إفريقيا للبحث في أثار تقاطع مسارات الحركة الحضارية التي مرت بها وصولا الى الأندلس قادمة من الشرق أو تلك التي انطلقت من جنوبها عبر طريق الملح من غرب إفريقيا و حتى تلك التي صادف وجودها طريق الحرير القادم من الصين ؛ و كانت أغلب بحوث مفكيرها تشيد بأهمية جغرافيتها و على ضرورة الفهم الجيد لطبيعة أنظمتها السياسية .
شاءت الأقدار اليوم بأن يعيد التاريخ بوصلته و بأن يحيي هذه الذاكرة في حلة جديدة ستتبنى “طريق الغاز ” ، من عمق غربها إلى أقصى شمالها ، كمنار جديد لهذه الحركية الحضارية على امتداد دول الساحل الغربي الإفريقي ، والتي يفترض بمنطق الجغرافية ان يتزعم المغرب إنارة شعلته ، لطالما حاولت فرنسا أن تخفث من بريقها ، لكن بمتغير الأحداث الدولية ، والتي جعلت فرنسا اليوم تحت إكراه تحمل الضغط الأمريكي على اعتبار حساسية صفتها القيادية لمجموعة الإتحاد الأوروبي بجوار ألمانيا ، و هو ما يرجح زيادة منسوب هذا الضغط اليوم على إثر قدوم ترامب إلى قيادة أمريكا أو بالأحرى قيادة العالم إن صح التعبير ، فكل الخيارات ستطرح على الطاولة بين العصا أو الجزرة ؛ لتفتح فرضيات الترهيب بأزمات الفيروسات تبقى دائما قائمة و خيار الحروب الوسطية مرجحة ؛ بحيث سيبقى قرارها دائما بيد ذوي النفوذ العالمي و لو أن اقتضى الحال التلميح بأهميته على أمل التمهيد لمفاوضات إستباقية سيتطلب إطارها نفسا طويلا .